فصل: فَصْلٌ فِي عَدِّ الْآيِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن ***


النَّوْعُ الثَّامِنَ عَشَرَ‏:‏ فِي جَمْعِهِ وَتَرْتِيبِهِ

قَالَ الدَّيْرُعَاقُولِيُّ فِي فَوَائِدِه‏‏:‏ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ‏‏:‏ «قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ جُمِعَ فِي شَيْءٍ‏»‏.‏

قَالَ الْخَطَّابِيُّ‏‏:‏ إِنَّمَا لَمْ يَجْمَعْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ فِي الْمُصْحَفِ؛ لِمَا كَانَ يَتَرَقَّبُهُ مِنْ وُرُودِ نَاسِخٍ لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ أَوْ تِلَاوَتِهِ، فَلَمَّا انْقَضَى نُزُولُهُ بِوَفَاتِهِ أَلْهَمَ اللَّهُ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ ذَلِكَ، وَفَاءً بِوَعْدِهِ الصَّادِقِ بِضَمَانِ حِفْظِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ عَلَى يَدِ الصِّدِّيقِ بِمَشُورَةِ عُمَرَ‏‏.‏

وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ‏‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ‏.‏‏.‏‏.‏ » الْحَدِيثَ، فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ‏;‏ لْأَنَّ الْكَلَامَ فِي كِتَابَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَقَدْ كَانَ الْقُرْآنُ كُتِبَ كُلُّهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ غَيْرُ مَجْمُوعٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا مُرَتَّبِ السُّوَرِ‏‏.‏

‏[‏جَمْعُ الْقُرْآنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ‏]‏

قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَك‏:‏ جُمِعَ الْقُرْآنُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ‏‏:‏

إِحْدَاهَا‏‏:‏ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ ثُمَّ أُخْرِجَ بِسَنَدٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ»‏.‏ الْحَدِيث‏َ‏.‏

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ‏:‏ يُشَبَّهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَأْلِيفُ مَا نَزَلَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُفَرَّقَةِ فِي سُوَرِهَا، وَجَمْعُهَا فِيهَا بِإِشَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

الثَّانِية‏ُ‏:‏ بِحَضْرَةِ أَبِي بَكْرٍ، رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ‏‏:‏ أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ، مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخِطَّابِ عِنْدَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏‏:‏ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي، فَقَالَ‏‏:‏ إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبُ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ لِعُمَرَ‏:‏ كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏‏!‏ قَالَ عُمَرُ‏‏:‏ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ‏.‏ قَالَ زَيْدٌ‏‏:‏ قَالَ أَبُو بَكْرٍ‏‏:‏ إِنَّكَ شَابٌّ عَاقِلٌ، لَا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنِ فَاجْمَعْهُ‏.‏

فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ‏‏.‏

قُلْتُ‏‏:‏ كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏‏!‏ قَالَ‏‏:‏ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ بِهِ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ‏.‏ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، وَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ غَيْرِه‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ‏}‏ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 128- 129‏]‏ حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةٍ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ‏‏:‏ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ‏‏:‏ أَعْظَمُ النَّاسِ فِي الْمَصَاحِفِ أَجْرًا أَبُو بَكْرٍ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ هُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ كِتَابَ اللَّهِ‏‏.‏

لَكِنْ أَخْرَجَ- أَيْضًا- مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ‏‏:‏ قَالَ عَلِيٌّ‏‏:‏ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَيْتُ أَلَّا آخُذَ عَلَيَّ رِدَائِي إِلَّا لِصَلَاةِ جُمْعَةٍ حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ‏.‏ فَجَمَعَهُ‏‏.‏

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ‏‏:‏ هَذَا الْأَثَرُ ضَعِيفٌ لَانْقِطَاعِهِ، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَمُرَادُهُ بِجَمْعِهِ حَفِظُهُ فِي صَدْرِهِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْهُ أَصَحُّ، فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ‏‏.‏

قُلْتُ‏‏:‏ قَدْ وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ ابْنُ الضُّرَيْسِ فِي فَضَائِلِه‏:‏ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ‏‏:‏ لَمَّا كَانَ بَعْدَ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ قَعَدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي بَيْتِهِ، فَقِيلَ لْأَبِي بَكْرٍ‏‏:‏ قَدْ كَرِهَ بَيْعَتَكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ‏‏:‏ أَكَرِهْتَ بَيْعَتِي‏؟‏ قَالَ‏‏:‏ لَا وَاللَّهِ، قَالَ‏‏:‏ مَا أَقْعَدَكَ عَنِّي‏؟‏ قَالَ‏‏:‏ رَأَيْتُ كِتَابَ اللَّهِ يُزَادُ فِيهِ، فَحَدَّثْتُ نَفْسِي أَنْ لَا أَلْبَسَ رِدَائِي إِلَّا لِصَلَاةٍ حَتَّى أَجْمَعَهُ‏.‏ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ‏‏:‏ فَإِنَّكَ نِعْمَ مَا رَأَيْتَ‏.‏

قَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ فَقُلْتُ لِعِكْرِمَةَ‏‏:‏ أَلِّفُوهُ كَمَا أُنْزِلَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ‏؟‏ قَالَ‏‏:‏ لَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يُؤَلِّفُوهُ هَذَا التَّأْلِيفَ مَا اسْتَطَاعُوا‏‏.‏

وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَفِيه‏:‏ أَنَّهُ كَتَبَ فِي مُصْحَفِهِ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ، وَأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ قَالَ‏‏:‏ تَطَلَّبْتُ ذَلِكَ الْكِتَابَ، وَكَتَبْتُ فِيهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَن‏:‏ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ، عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقِيلَ‏:‏ كَانَتْ مَعَ فُلَانٍ، قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ‏‏.‏ فَقَالَ‏‏:‏ إِنَّا لِلَّهِ‏.‏ وَأَمَرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَهُ فِي الْمُصْحَفِ‏‏.‏ إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ‏.‏

وَالْمُرَادُ بِقَوْلِه‏:‏ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَهُ أَيْ‏:‏ أَشَارَ بِجَمْعِهِ‏‏.‏

قُلْتُ‏‏:‏ وَمِنْ غَرِيبِ مَا وَرَدَ فِي أَوَّلِ مَنْ جَمَعَهُ، مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ كَهْمَسَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ‏‏:‏ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي مُصْحَفٍ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ أَقْسَمَ لَا يَرْتَدِي بِرِدَاءٍ حَتَّى جَمْعَهُ، فَجَمَعَهُ، ثُمَّ ائْتَمَرُوا‏:‏ مَا يُسَمُّونَهُ‏؟‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏‏:‏ سَمُّوهُ السِّفْرَ، قَالَ‏‏:‏ ذَلِكَ تَسْمِيَةُ الْيَهُودِ، فَكَرِهُوهُ، فَقَالَ‏‏:‏ رَأَيْتُ مِثْلَهُ بِالْحَبَشَةِ يُسَمَّى الْمُصْحَفَ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يُسَمُّوهُ الْمُصْحَفَ‏‏.‏ إِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَحَدَ الْجَامِعَيْنِ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ‏‏:‏ قَدِمَ عُمَرُ، فَقَالَ‏‏:‏ مَنْ كَانَ تَلَقَّى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَأْتِ بِهِ‏.‏

وَكَانُوا يَكْتُبُونَ ذَلِكَ فِي الصُّحُفِ وَالْأَلْوَاحِ وَالْعُسُبِ، وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى يَشْهَدَ شَهِيدَانِ‏.‏

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ زَيْدًا كَانَ لَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ وِجْدَانِهِ مَكْتُوبًا حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ مَنْ تَلَقَّاهُ سَمَاعًا، مَعَ كَوْنِ زَيْدٍ كَانَ يَحْفَظُ، فَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي الِاحْتِيَاطِ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ وَلِزَيْدٍ‏‏:‏ اقْعُدَا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَمَنْ جَاءَكُمَا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَاكْتُبَاهُ‏‏.‏ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ انْقِطَاعِهِ‏‏.‏

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ‏‏:‏ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّاهِدَيْنِ الْحِفْظُ وَالْكِتَابُ‏.‏

وَقَالَ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ‏:‏ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا يَشْهِدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَكْتُوبَ كُتِبَ عَلَى يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنِ الْوُجُوهِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ‏.‏

قَالَ أَبُو شَامَةَ‏‏:‏ وَكَانَ غَرَضُهُمْ أَنْ لَا يُكْتَبَ إِلَّا مِنْ عَيْنِ مَا كُتِبَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مِنْ مُجَرَّدِ الْحِفْظِ‏‏.‏

قَالَ‏‏:‏ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي آخِرِ سُورَةِ التَّوْبَة‏:‏ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ غَيْرِهِ‏، أَيْ‏:‏ لَمْ أَجِدْهَا مَكْتُوبَةً مَعَ غَيْرِهِ لْأَنَّهُ كَانَ لَا يَكْتَفِي بِالْحِفْظِ دُونَ الْكِتَابَة‏ِ‏.‏

قُلْتُ‏‏:‏ أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ وَفَاتِهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ آخِرُ النَّوْعِ السَّادِسَ عَشَرَ‏‏.‏

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ‏‏:‏ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَتَبَهُ زَيْدٌ، وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُونَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَكَانَ لَا يَكْتُبُ آيَةً إِلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَإِنَّ آخِرَ سُورَةِ بَرَاءَةٍ لَمْ تُوجَدْ إِلَّا مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، فَقَالَ‏‏:‏ اكْتُبُوهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، فَكَتَبَ‏.‏ وَإِنَّ عُمَرَ أَتَى بِآيَةِ الرَّجْمِ فَلَمْ يَكْتُبْهَا لْأَنَّهُ كَانَ وَحْدَهُ‏‏.‏

وَقَالَ الْحَارِثُ الْمُحَاسَبِيُّ فِي كِتَابِ فَهْمِ السُّنَن‏:‏ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ بِمُحْدَثَةٍ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِكِتَابَتِهِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُفَرَّقًا فِي الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ، فَإِنَّمَا أَمَرَ الصَّدِيقِ بِنَسْخِهَا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ مُجْتَمِعًا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَوْرَاقٍ وُجِدَتْ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا قُرْآنٌ مُنْتَشِرٌ، فَجَمَعَهَا جَامِعٌ، وَرَبَطَهَا بِخَيْطٍ حَتَّى لَا يَضِيعَ مِنْهَا شَيْءٌ‏‏.‏

قَالَ‏‏:‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ وَقَعَتِ الثِّقَةُ بِأَصْحَابِ الرِّقَاعِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ فِي جَمْعِ الْقُرْآنِ‏؟‏‏.‏

قِيلَ‏:‏ لْأَنَّهُمْ كَانُوا يُبْدُونَ عَنْ تَأْلِيفٍ مُعْجِزٍ، وَنَظْمٍ مَعْرُوفٍ قَدْ شَاهَدُوا تِلَاوَتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ سَنَةً، فَكَانَ تَزْوِيرُ مَا لَيْسَ مِنْهُ مَأْمُونًا، وَإِنَّمَا كَانَ الْخَوْفُ مِنْ ذَهَابِ شَيْءٍ مِنْ صُحُفِهِ‏‏.‏

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ، وَفِي رِوَايَةٍ‏‏:‏ وَالرِّقَاعِ، وَفِي أُخْرَى‏‏:‏ وَقِطَعِ الْأَدِيمِ، وَفِي أُخْرَى‏‏:‏ وَالْأَكْتَافِ، وَفِي أُخْرَى‏‏:‏ وَالْأَضْلَاعِ، وَفِي أُخْرَى‏‏:‏ وَالْأَقْتَابِ‏‏.‏

فَالْعُسُب‏:‏ جَمْعُ عَسِيبٍ وَهُوَ جَرِيدُ النَّخْلِ، كَانُوا يَكْشِطُونَ الْخُوصَ وَيَكْتُبُونَ فِي الطَّرَفِ الْعَرِيضِ‏‏.‏

وَاللِّخَافُ‏:‏ بِكَسْرِ اللَّامِ وَبِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ خَفِيفَةٍ، آخِرُهُ فَاءٌ‏:‏ جَمْعُ لَخْفَةٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الدِّقَاقُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ‏‏:‏ صَفَائِحُ الْحِجَارَةِ‏.‏

وَالرِّقَاعُ‏:‏ جَمْعُ رُقْعَةٍ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ وَرَقٍ أَوْ كَاغِدٍ‏‏.‏

وَالْأَكْتَافُ‏:‏ جَمَعَ كَتِفٍ، وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي لِلْبَعِيرِ أَوِ الشَّاةِ، كَانُوا إِذَا جَفَّ كَتَبُوا عَلَيْهِ‏‏.‏

وَالْأَقْتَابُ‏:‏ جَمْعُ قَتَبٍ، وَهُوَ الْخَشَبُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ لِيَرْكَبَ عَلَيْهِ‏‏.‏

وَفِي مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ‏‏:‏ جَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الْقُرْآنَ فِي قَرَاطِيسَ، وَكَانَ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ فَأَبَى، حَتَّى اسْتَعَانَ عَلَيْهِ بِعُمَرَ، فَفَعَلَ‏‏.‏

وَفِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ‏:‏ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ‏‏:‏ لَمَّا أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِالْيَمَامَةِ، فَزِعَ أَبُو بَكْرٍ وَخَافَ أَنْ يَذْهَبَ مِنَ الْقُرْآنِ طَائِفَةٌ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانُوا مَعَهُمْ وَعِنْدَهُمْ، حَتَّى جُمِعَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْوَرَقِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي الصُّحُفِ‏‏.‏

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ‏‏:‏ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ‏:‏ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ‏‏:‏ فَأَمَرَنِي أَبُو بَكْرٍ فَكَتَبْتُهُ فِي قِطَعِ الْأَدِيمِ وَالْعُسُبِ، فَلَمَّا ‏(‏هَلَكَ‏)‏ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ كَتَبْتُ ذَلِكَ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ‏.‏

قَالَ‏‏:‏ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ إِنَّمَا كَانَ فِي الْأَدِيمِ وَالْعُسُبِ أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ يُجْمَعَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ جُمِعَ فِي الصُّحُفِ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَرَادِفَةُ‏‏.‏

قَالَ الْحَاكِمُ‏‏:‏ وَالْجَمْعُ الثَّالِثُ هُوَ تَرْتِيبُ السُّوَرِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ‏‏.‏

رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ لِعُثْمَانَ‏‏:‏ أَدْرِكِ الْأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى‏.‏ فَأَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ‏:‏ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا الصُّحُفَ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ‏.‏ فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ‏.‏

وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَة‏:‏ إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّهُ إِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا، حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ‏.‏ قَالَ زَيْدٌ فَفَقَدْتُ آيَةً مِنَ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ‏:‏ ‏{‏مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ‏}‏ فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ‏‏.‏

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ‏‏:‏ وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ‏‏.‏ قَالَ‏‏:‏ وَغَفَلَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ فِي حُدُودِ سَنَةِ ثَلَاثِينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مُسْتَنَدًا‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ‏‏:‏ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، يُقَالُ لَهُ‏:‏ أَنْسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ‏‏:‏ اخْتَلَفُوا فِي الْقُرْآنِ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ حَتَّى اقْتَتَلَ الْغِلْمَانُ وَالْمُعَلِّمُونَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَقَالَ‏‏:‏ عِنْدِي تُكَذِّبُونَ بِهِ وَتَلْحَنُونَ فِيهِ‏!‏ فَمَنْ نَأَى عَنِّي كَانَ أَشَدَّ تَكْذِيبًا، وَأَكْثَرَ لَحْنًا‏.‏ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ اجْتَمِعُوا فَاكْتُبُوا لِلنَّاسِ إِمَامًا‏.‏ فَاجْتَمَعُوا فَكَتَبُوا فَكَانُوا إِذَا اخْتَلَفُوا وَتَدَارَءُوا فِي أَيِّ آيَةٍ قَالُوا‏:‏ هَذِهِ أَقْرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانًا فَيُرْسِلُ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثٍ مِنَ الْمَدِينَةِ‏.‏

فَيُقَالُ لَهُ‏:‏ كَيْفَ أَقْرَأَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةَ كَذَا وَكَذَا‏؟‏

فَيَقُولُ‏:‏ كَذَا وَكَذَا، فَيَكْتُبُونَهَا، وَقَدْ تَرَكُوا لِذَلِكَ مَكَانًا‏‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، قَالَ‏‏:‏ لَمَّا أَرَادَ عُثْمَانُ أَنْ يَكْتُبَ الْمَصَاحِفَ، جَمَعَ لَهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ، فَبَعَثُوا إِلَى الرَّبْعَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ عُمَرَ، فَجِيءَ بِهَا، وَكَانَ عُثْمَانُ يَتَعَاهَدُهُمْ، فَكَانُوا إِذَا تَدَارَءُوا فِي شَيْءٍ أَخَّرُوهُ‏‏.‏

قَالَ مُحَمَّدٌ‏‏:‏ فَظَنَنْتُ أَنَّمَا كَانُوا يُؤَخِّرُونَهُ لِيَنْظُرُوا أَحْدَثَهُمْ عَهْدًا بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ، فَيَكْتُبُونَهُ عَلَى قَوْلِهِ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ سُوِيدِ بْنِ غَفَلَةَ، قَالَ‏‏:‏ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لَا تَقُولُوا فِي عُثْمَانَ إِلَّا خَيْرًا، فَوَاللَّهِ مَا فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنَّا، قَالَ‏:‏ مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ‏؟‏ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ إِنَّ قِرَاءَتِي خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِكَ، وَهَذَا يَكَادُ يَكُونُ كُفْرًا‏؟‏ قُلْنَا‏‏:‏ فَمَا تَرَى‏؟‏

قَالَ‏‏:‏ أَرَى أَنْ يُجْمَعَ النَّاسُ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، فَلَا تَكُونُ فُرْقَةٌ وَلَا اخْتِلَافٌ‏.‏

قُلْنَا‏‏:‏ نِعْمَ مَا رَأَيْتَ‏‏.‏

قَالَ ابْنُ التِّينِ وَغَيْرُهُ‏‏:‏ الْفَرْقُ بَيْنَ جَمْعِ أَبِي بَكْرٍ وَجَمْعِ عُثْمَانَ لِلْقُرْآن‏:‏ أَنَّ جَمْعَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ لِخَشْيَةِ أَنْ يَذْهَبَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ بِذَهَابِ حَمَلَتِهِ؛ لْأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَجْمُوعًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَجَمَعَهُ فِي صَحَائِفَ مُرَتِّبًا لِآيَاتِ سُوَرِهِ عَلَى مَا وَقَّفَهُمْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَجَمْعُ عُثْمَانَ‏:‏ كَانَ لَمَّا كَثُرَ الَاخْتِلَافُ فِي وُجُوهِ الْقِرَاءَةِ، حَتَّى قَرَءُوهُ بِلُغَاتِهِمْ عَلَى اتِّسَاعِ اللُّغَاتِ، فَأَدَّى ذَلِكَ بَعْضَهُمِ إِلَى تَخْطِئَةِ بَعْضٍ، فَخَشِيَ مِنْ تَفَاقُمِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ، فَنَسَخَ تِلْكَ الصُّحُفَ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ مُرَتِّبًا لِسُوَرِهِ، وَاقْتَصَرَ مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ عَلَى لُغَةِ قُرَيْشٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَسَّعَ فِي قِرَاءَتِهِ بِلُغَةِ غَيْرِهِمْ، رَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، فَرَأَى أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ، قَدِ انْتَهَتْ فَاقْتَصَرَ عَلَى لُغَةٍ وَاحِدَةٍ‏‏.‏

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الَانْتِصَار‏:‏ لَمْ يَقْصِدْ عُثْمَانُ قَصْدَ أَبِي بَكْرٍ فِي جَمْعِ نَفْسِ الْقُرْآنِ بَيْنَ لَوْحَيْنِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ جَمْعَهُمْ عَلَى الْقِرَاءَاتِ الثَّابِتَةِ الْمَعْرُوفَةِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلْغَاءَ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَخْذِهِمْ بِمُصْحَفٍ لَا تَقْدِيمَ فِيهِ وَلَا تَأْخِيرَ، وَلَا تَأْوِيلَ أُثْبِتَ مَعَ تَنْزِيلٍ، وَلَا مَنْسُوخٌ تِلَاوَتُهُ كُتِبَ مَعَ مُثْبَتٍ رَسْمُهُ وَمَفْرُوضٌ قِرَاءَتُهُ وَحِفْظُهُ، خَشْيَةَ دُخُولِ الْفَسَادِ وَالشُّبْهَةِ عَلَى مَنْ يَأْتِي بَعْدُ‏‏.‏

وَقَالَ الْحَارِثُ الْمُحَاسَبِيُّ‏‏:‏ الْمَشْهُورُ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّ جَامِعَ الْقُرْآنِ عُثْمَانَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إِنَّمَا حَمَلَ عُثْمَانُ النَّاسَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ عَلَى اخْتِيَارٍ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ شَهِدَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، لَمَّا خَشِيَ الْفِتْنَةَ عِنْدَ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ فِي حُرُوفِ الْقِرَاءَاتِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَتِ الْمَصَاحِفُ بِوُجُوهٍ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الْمُطْلِقَاتِ عَلَى الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ بِهَا الْقُرْآنُ، فَأَمَّا السَّابِقُ إِلَى الْجَمْعِ مِنَ الْحَمْلَةِ فَهُوَ الصِّدِّيقُ، وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ‏‏:‏ لَوْ وَلِيتُ لَعَمِلْتُ بِالْمَصَاحِفِ الَّتِي عَمِلَ عُثْمَانُ بِهَا‏.‏ انْتَهَى‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

اخْتُلِفَ فِي عِدَّةِ الْمَصَاحِفِ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا عُثْمَانُ إِلَى الْآفَاق‏:‏ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا خَمْسَةٌ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، مِنْ طَرِيقِ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، قَالَ‏‏:‏ أَرْسَلَ عُثْمَانُ أَرْبَعَةَ مَصَاحِفَ‏‏.‏ قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ‏‏:‏ وَسَمِعْتُ أَبَا حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيَّ يَقُولُ‏‏:‏ كُتِبَ سَبْعَةُ مَصَاحِفَ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَكَّةَ، وَالشَّامِ، وَإِلَى الْيَمَنِ، وَإِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَإِلَى الْبَصْرَةِ، وَإِلَى الْكُوفَةِ، وَحَبَسَ بِالْمَدِينَةِ وَاحِدًا‏‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏في أَنَّ تَرْتِيبَ الْآيَاتِ تَوْقِيفِيٌّ‏]‏

الْإِجْمَاعُ وَالنُّصُوصُ الْمُتَرَادِفَةُ عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَ الْآيَاتِ تَوْفِيقِيٌّ، لَا شُبْهَةَ فِي ذَلِكَ‏‏.‏

أَمَّا الْإِجْمَاعُ‏:‏ فَنَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ، وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي مُنَاسَبَاتِهِ، وَعِبَارَتُهُ‏:‏ تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي سُوَرِهَا وَاقِعٌ بِتَوْقِيفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي هَذَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَسَيَأْتِي مِنْ نُصُوصِ الْعُلَمَاءِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا النُّصُوصُ‏:‏ فَمِنْهَا حَدِيثُ زَيْدٍ السَّابِقُ‏:‏ «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ‏»‏.‏

وَمِنْهَا‏:‏ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏‏:‏ قُلْتُ لِعُثْمَانَ‏‏:‏ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى بَرَاءَةٍ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ، فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَالِ‏؟‏‏.‏

فَقَالَ عُثْمَانُ‏‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ السُّورَةُ ذَاتُ الْعَدَدِ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ، فَيَقُولُ‏‏:‏ ضَعُوا هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا، فَظَنَنْتُ أَنَّهَا مِنْهَا، فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَالِ‏»‏.‏

وَمِنْهَا‏‏:‏ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ‏‏:‏ «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ شَخَصَ بِبَصَرِهِ ثُمَّ صَوَّبَهُ، ثُمَّ قَالَ‏‏:‏ أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَضَعَ هَذِهِ الْآيَةَ هَذَا الْمَوْضِعَ مِنْ هَذِهِ السُّورَة‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى‏}‏» ‏[‏النَّحْل‏:‏ 90‏]‏ إِلَى آخِرِهَا‏.‏

وَمِنْهَا‏‏:‏ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ‏‏:‏ قُلْتُ لِعُثْمَانَ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذْرُوَنَ أَزْوَاجًا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 240‏]‏ قَدْ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى، فَلَمْ تَكْتُبْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا‏؟‏ قَالَ‏‏:‏ يَا ابْنَ أَخِي، لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ‏.‏

وَمِنْهَا‏‏:‏ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ «مَا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ، عَنِ الْكَلَالَةِ حَتَّّّّّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ‏‏:‏ تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ»‏.‏

وَمِنْهَا‏‏:‏ الْأَحَادِيثُ فِي خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ‏‏.‏

وَمِنْهَا‏‏:‏ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا‏:‏ «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ»‏.‏

وَفِي لَفْظٍ عِنْدَهُ‏:‏ «مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ»‏.‏

وَمِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَالًا‏:‏ مَا ثَبَتَ مِنْ قِرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُوَرٍ عَدِيدَةٍ‏:‏

كَسُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءِ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ‏.‏

وَالْأَعْرَافِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي الْمَغْرِبِ‏‏.‏

‏(‏قَدْ أَفْلَحَ‏)‏ رَوَى النَّسَائِيُّ «أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي الصُّبْحِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ‏»‏.‏

وَالرُّوم‏:‏ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ قَرَأَهَا فِي الصُّبْحِ‏»‏.‏

وَ‏{‏الم تَنْزِيلُ‏}‏ وَ‏{‏هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ‏}‏ رَوَى الشَّيْخَان‏:‏ «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُمَا فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ‏»‏.‏

وَ‏(‏ق‏)‏ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ‏:‏ «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي الْخُطْبَةِ‏»‏.‏

وَ‏(‏الرَّحْمَنِ‏)‏‏‏:‏ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَغَيْرِه‏:‏ «أَنَّهُ قَرَأَهَا عَلَى الْجِنِّ‏»‏.‏

وَ‏(‏النَّجْمِ‏)‏‏‏:‏ فِي الصَّحِيح‏:‏ «قَرَأَهَا بِمَكَّةَ عَلَى الْكُفَّارِ وَسَجَدَ فِي آخِرِهَا‏»‏.‏

وَ‏(‏اقْتَرَبَتْ‏)‏‏:‏ عِنْدَ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا مَعَ ‏(‏ق‏)‏ فِي الْعِيدِ‏»‏.‏

وَ‏(‏الْجُمُعَةِ‏)‏ وَ‏(‏الْمُنَافِقُونَ‏)‏‏‏:‏ فِي مُسْلِمٍ‏:‏ «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ‏»‏.‏

وَ‏(‏الصَّفِّ‏)‏‏:‏ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ‏:‏ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَهَا عَلَيْهِمْ حِينَ أُنْزِلَتْ حَتَّى خَتَمَهَا»‏.‏

وَفِي سُوَرٍ شَتَّى مِنَ الْمُفَصَّلِ تَدُلُّ قِرَاءَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا بِمَشْهَدٍ مِنَ الصَّحَابَة‏:‏ أَنَّ تَرْتِيبَ آيَاتِهَا تَوْقِيفِيٌّ وَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ لِيُرَتِّبُوا تَرْتِيبًا سَمِعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى خِلَافِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ‏‏.‏

نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ‏:‏ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏‏:‏ أَتَى الْحَارِثُ بْنُ خُزَيْمَةَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ بَرَاءَةٍ، فَقَالَ‏‏:‏ أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَعَيْتُهُمَا، فَقَالَ عُمَرُ‏‏:‏ وَأَنَا أَشْهَدُ لَقَدْ سَمِعْتُهُمَا‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏‏:‏ لَوْ كَانَتْ ثَلَاثَ آيَاتٍ لَجَعَلْتُهَا سُورَةً عَلَى حِدَةٍ، فَانْظُرُوا آخِرَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَلْحِقُوهَا فِي آخِرِهَا‏‏.‏

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ‏‏:‏ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَلِّفُونَ آيَاتِ السُّوَرِ بِاجْتِهَادِهِمْ، وَسَائِرُ الْأَخْبَارِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ‏‏.‏

قُلْتُ‏‏:‏ يُعَارِضُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ- أَيْضًا- مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ‏}‏ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 127‏]‏ ظَنُّوا أَنَّ هَذَا آخِرُ مَا أُنْزِلَ‏.‏ فَقَالَ أُبَيٌّ‏:‏ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَنِي بَعْدَ هَذَا آيَتَيْنِ ‏{‏لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ‏}‏ ‏[‏التَّوْبَة‏:‏ 128- 129‏]‏ إِلَى آخِرِ السُّورَة‏ِ»‏.‏

وَقَالَ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ‏‏:‏ تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي السُّوَرِ بِأَمْرٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٍ تُرِكَتْ بِلَا بَسْمَلَةٍ‏‏.‏

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الَانْتِصَار‏:‏ تَرْتِيبُ الْآيَاتِ أَمْرٌ وَاجِبٌ، وَحُكْمٌ لَازِمٌ، فَقَدْ كَانَ جِبْرِيلُ يَقُولُ‏‏:‏ ضَعُوا آيَةَ كَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا‏.‏

وَقَالَ- أَيْضًا-‏:‏ الَّذِي نَذْهَبُ إِلَيْهِ أَنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ- الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهِ، وَأَمَرَ بِإِثْبَاتِ رَسْمِهِ، وَلَمْ يَنْسَخْهُ، وَلَا رَفَعَ تِلَاوَتَهُ بَعْدَ نُزُولِهِ- هُوَ هَذَا الَّذِي بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، الَّذِي حَوَاهُ مُصْحَفُ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا زِيدَ فِيهِ‏.‏ وَأَنَّ تَرْتِيبَهُ وَنَظْمَهُ ثَابِتٌ عَلَى مَا نَظَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَتَّبَهُ عَلَيْهِ رَسُولُهُ مِنْ آيِ السُّوَرِ، لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ ذَلِكَ مُؤَخَّرًا وَلَا أَخَّرَ مُقَدَّمًا، وَإِنَّ الْأُمَّةَ ضَبَطَتْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْتِيبَ آيِ كُلِّ سُورَةٍ وَمَوَاضِعِهَا، وَعَرَفَتْ مَوَاقِعَهَا كَمَا ضُبِطَتْ عَنْهُ نَفْسُ الْقِرَاءَاتِ وَذَاتُ التِّلَاوَةِ‏.‏ وَأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَتَّبَ سُوَرَهُ، وَأَنْ يَكُونَ قَدْ وَكَلَ ذَلِكَ إِلَى الْأُمَّةِ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَتَوَلَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ‏‏.‏

قَالَ‏‏:‏ وَهَذَا الثَّانِي أَقْرَبُ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ‏‏:‏ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ‏‏:‏ إِنَّمَا أُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّة‏:‏ الصَّحَابَةُ- رَضِيَ اللَّهِ عَنْهُمْ- جَمَعُوا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ زَادُوا أَوْ نَقَصُوا مِنْهُ شَيْئًا، خَوْفَ ذَهَابِ بَعْضِهِ بِذَهَابِ حَفَظَتِهِ، فَكَتَبُوهُ كَمَا سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ قَدَّمُوا شَيْئًا وَأَخَّرُوا، أَوْ وَضَعُوا لَهُ تَرْتِيبًا لَمْ يَأْخُذُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَقِّنُ أَصْحَابَهُ وَيُعَلِّمُهُمْ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ الْآنَ فِي مَصَاحِفِنَا، بِتَوْقِيفِ جِبْرِيلَ إِيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِعْلَامِهِ عِنْدَ نُزُولِ كُلِّ آيَةٍ‏:‏ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُكْتَبُ عَقِبَ آيَةِ كَذَا فِي سُورَةِ كَذَا، فَثَبَتَ أَنَّ سَعْيَ الصَّحَابَةِ كَانَ فِي جَمْعِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا فِي تَرْتِيبِهِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ مَكْتُوبٌ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، أَنْزَلَهُ اللَّهُ جُمْلَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ كَانَ يُنْزِلُهُ مُفَرَّقًا عِنْدَ الْحَاجَةِ‏‏.‏ وَتَرْتِيبُ النُّزُولِ غَيْرُ تَرْتِيبِ التِّلَاوَةِ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّار‏:‏ تَرْتِيبُ السُّوَرِ وَوَضْعُ الْآيَاتِ مَوَاضِعَهَا إِنَّمَا كَانَ بِالْوَحْيِ، «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏‏:‏ ضَعُوا آيَةَ كَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا» وَقَدْ حَصَلَ الْيَقِينُ مِنَ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ بِهَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ تِلَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى وَضْعِهِ هَكَذَا فِي الْمُصْحَفِ‏‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏حُكْمُ تَرْتِيبِ السُّوَرِ‏]‏

وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّوَر‏:‏ فَهَلْ هُوَ تَوْقِيفِيٌّ أَيْضًا، أَوْ هُوَ بِاجْتِهَادٍ مِنَ الصَّحَابَةِ‏؟‏ خِلَافٌ‏:‏

فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الثَّانِي مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ‏‏.‏

قَالَ ابْنُ فَارِسٍ‏‏:‏ جُمِعَ الْقُرْآنُ عَلَى ضَرْبَيْن‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ تَأْلِيفُ السُّوَرِ، كَتَقْدِيمِ السَّبْعِ الطُّوَالِ وَتَعْقِيبِهَا بِالْمِئِينَ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَوَلَّتْهُ الصَّحَابَةُ‏‏.‏

وَأَمَّا الْجَمْعُ الْآخَرُ‏:‏ وَهُوَ جَمْعُ الْآيَاتِ فِي السُّوَرِ، فَهُوَ تَوْقِيفِيٌّ تَوَلَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ جِبْرِيلُ، عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ‏.‏

وَمِمَّا اسْتُدِلَّ بِهِ لِذَلِكَ اخْتِلَافُ مَصَاحِفِ السَّلَفِ فِي تَرْتِيبِ السُّوَر‏:‏ فَمِنْهُمْ مَنْ رَتَّبَهَا عَلَى النُّزُولِ، وَهُوَ مُصْحَفُ عَلِيٍّ، كَانَ أَوَّلَهُ‏:‏ اقْرَأْ، ثُمَّ الْمُدَّثِّرُ، ثُمَّ ن، ثُمَّ الْمُزَّمِّلُ، ثُمَّ تَبَّتْ، ثُمَّ التَّكْوِيرُ وَهَكَذَا إِلَى آخِرِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ‏.‏

وَكَانَ أَوَّلَ مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْبَقَرَةُ، ثُمَّ النِّسَاءُ، ثُمَّ آلُ عِمْرَانَ عَلَى اخْتِلَافٍ شَدِيدٍ‏.‏ وَكَذَا مُصْحَفُ أُبَيٍّ وَغَيْرِهِ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حِبَّانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ‏‏:‏ أَمَرَهُمْ عُثْمَانُ أَنْ يُتَابِعُوا الطُّوَالَ، فَجُعِلَتْ سُورَةُ الْأَنْفَالِ وَسُورَةُ التَّوْبَةِ فِي السَّبْعِ، وَلَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏.‏

وَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ‏‏:‏ مِنْهُمُ الْقَاضِي فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ‏‏.‏

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ‏:‏ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ فَرَّقَهُ فِي بِضْعٍ وَعِشْرِينَ، فَكَانَتِ السُّورَةُ تَنْزِلُ لْأَمْرٍ يَحْدُثُ، وَالْآيَةُ جَوَابًا لِمُسْتَخْبِرٍ، وَيُوقِفُ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَوْضِعِ الْآيَةِ وَالسُّورَةِ، فَاتِّسَاقُ السُّوَرِ كَاتِّسَاقِ الْآيَاتِ وَالْحُرُوفِ، كُلُّهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ قَدَّمَ سُورَةً أَوْ أَخَّرَهَا فَقَدْ أَفْسَدَ نَظْمَ الْقُرْآنِ‏.‏

وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي الْبُرْهَان‏:‏ تَرْتِيبُ السُّوَرِ هَكَذَا هُوَ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْكِتَابِ الْمَحْفُوظِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَعَلَيْهِ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ عَلَى جِبْرِيلَ كُلَّ سَنَةٍ مَا كَانَ يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنْهُ، وَعَرَضَهُ عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوَفِّيَ فِيهَا مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ آخِرُ الْآيَاتِ نُزُولًا‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 281‏]‏ فَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ أَنْ يَضَعَهَا بَيْنَ آيَتَيِ الرِّبَا وَالدَّيْنِ‏»‏.‏

وَقَالَ الطِّيبِيُّ‏‏:‏ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ أَوَّلًا جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ مُفَرَّقًا عَلَى حَسَبِ الْمَصَالِحِ، ثُمَّ أُثْبِتَ فِي الْمَصَاحِفِ عَلَى التَّأْلِيفِ وَالنَّظْمِ الْمُثْبَتِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ‏‏.‏

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَان‏:‏ وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ لَفْظِيٌّ؛ لْأَنَّ الْقَائِلَ بِالثَّانِي يَقُولُ‏:‏ إِنَّهُ رَمَزَ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ، لِعِلْمِهِمْ بِأَسْبَابِ نُزُولِهِ وَمَوَاقِعِ كَلِمَاتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ‏‏:‏ إِنَّمَا أَلَّفُوا الْقُرْآنَ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْلِهِ بِأَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ، فَآلَ الْخِلَافُ إِلَى أَنَّهُ‏:‏ هُوَ بِتَوْقِيفٍ قَوْلِيٍّ أَوْ بِمُجَرَّدِ إِسْنَادٍ فِعْلِيٍّ بِحَيْثُ بَقِيَ لَهُمْ فِيهِ مَجَالٌ لِلنَّظَرِ‏.‏

وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ‏‏.‏

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَل‏:‏ كَانَ الْقُرْآنُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَتَّبًا سُوَرُهُ وَآيَاتُهُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ إِلَّا الْأَنْفَالَ وَبَرَاءَةَ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ السَّابِقِ‏.‏ وَمَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى أَنَّ كَثِيرًا مِنَ السُّوَرِ كَانَ قَدْ عُلِمَ تَرْتِيبُهَا فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالسَّبْعِ الطُّوَالِ وَالْحَوَامِيمِ وَالْمُفَصَّلِ، وَأَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَوَّضَ الْأَمْرَ فِيهِ إِلَى الْأُمَّةِ بَعْدَهُ‏‏.‏

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْر‏:‏ الْآثَارُ تَشْهَدُ بِأَكْثَرَ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَطِيَّةَ وَيَبْقَى مِنْهَا قَلِيلٌ يُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ، كَقَوْلِه‏:‏ «اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْن‏:‏ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ‏‏.‏

وَكَحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ‏:‏ «قَرَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّبْعِ الطُّوَالِ فِي رَكْعَةٍ»‏.‏ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَفِيه‏:‏ «أَنَّهُ- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- كَانَ يَجْمَعُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ‏»‏.‏

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ‏:‏ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ- فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطه وَالْأَنْبِيَاء‏:‏ إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي‏.‏ فَذَكَرَهَا نَسَقًا كَمَا اسْتَقَرَّ تَرْتِيبُهَا‏‏.‏

وَفِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ‏»‏.‏

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ‏‏:‏ الْمُخْتَارُ أَنَّ تَأْلِيفَ السُّوَرِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثِ وَاثِلَةَ‏:‏ «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ الطُّوَالَ» الْحَدِيثَ‏.‏

قَالَ‏‏:‏ فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْلِيفَ الْقُرْآنِ مَأْخُوذٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا جُمِعَ فِي الْمُصْحَفِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، لْأَنَّهُ قَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ بِلَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ‏‏.‏

وَقَالَ ابْنُ الْحَصَّار‏:‏ تَرْتِيبُ السُّوَرِ وَوَضْعُ الْآيَاتِ مَوْضِعَهَا إِنَّمَا كَانَ بِالْوَحْيِ‏‏.‏

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ‏‏:‏ تَرْتِيبُ بَعْضِ السُّوَرِ عَلَى بَعْضِهَا أَوْ مُعْظَمِهَا، لَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ تَوْقِيفِيًّا‏‏.‏

قَالَ‏‏:‏ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَهَا تَوْفِيقِيٌّ‏:‏ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ كُنْتُ فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ ثَقِيفٍ‏.‏‏.‏‏.‏ الْحَدِيثَ وَفِيه‏:‏ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبِي مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَرَدْتُ أَنْ لَا أَخْرُجَ حَتَّى أَقْضِيَهُ»‏.‏

فَسَأَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا‏‏:‏ كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ‏؟‏

قَالُوا‏‏:‏ نُحَزِّبُهُ ثَلَاثَ سُوَرٍ، وَخَمْسَ سُوَرٍ، وَسَبْعَ سُوَرٍ، وَتِسْعَ سُوَرٍ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ مِنْ ‏(‏ق‏)‏ حَتَّى نَخْتِمَ‏‏.‏

قَالَ‏‏:‏ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ عَلَى مَا هُوَ فِي الْمُصْحَفِ الْآنَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ‏‏:‏ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الَّذِي كَانَ مُرَتَّبًا حِينَئِذٍ حِزْبُ الْمُفَصَّلِ خَاصَّةً، بِخِلَافِ مَا عَدَاهُ‏‏.‏

قُلْتُ‏‏:‏ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَوْفِيقِيٌّ كَوْنُ الْحَوَامِيمِ رُتِّبَتْ وَلَاءً وَكَذَا الطَّوَاسِينِ، وَلَمْ تُرَتَّبِ الْمُسَبِّحَاتُ وَلَاءً، بَلْ فُصِلَ بَيْنَ سُوَرِهَا، وَفُصِلَ بَيْنَ طسم الشُّعَرَاءِ وَطسم الْقَصَصِ بـ طس مَعَ أَنَّهَا أَقْصَرُ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ اجْتِهَادِيًّا لَذُكِرَتِ الْمُسَبِّحَاتُ وَلَاءً وَأُخِّرَتْ طس عَنِ الْقَصَصِ‏.‏

وَالَّذِي يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ‏:‏ أَنَّ جَمِيعَ السُّوَرِ تَرْتِيبُهَا تَوْقِيفِيٌّ إِلَّا بَرَاءَةَ وَالْأَنْفَالَ‏.‏ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَدَلَّ بِقِرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُوَرًا وَلَاءً عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَهَا كَذَلِكَ‏‏.‏ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدَ حَدِيثُ قِرَاءَتِهِ النِّسَاءَ قَبْلَ آلِ عِمْرَانَ؛ لْأَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ فِي الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَعَلَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ‏‏:‏ سَمِعْتُ رَبِيعَةَ يَسْأَلُ‏‏:‏ لِمَ قُدِّمَتِ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ، وَقَدْ نَزَلَ قَبْلَهُمَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً بِمَكَّةَ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتَا بِالْمَدِينَةِ‏؟‏ فَقَالَ‏‏:‏ قُدِّمَتَا وَأُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى عِلْمٍ مِمَّنْ أَلَّفَهُ بِهِ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِيهِ، وَاجْتِمَاعُهُمْ عَلَى عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ، فَهَذَا مِمَّا يُنْتَهَى إِلَيْهِ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ‏‏.‏

خَاتِمَةٌ ‏[‏فِي مَعْنَى السَّبْعِ الطُّوَالِ وَالْمِئِينِ وَالْمَثَانِي‏]‏

السَّبْعُ الطُّوَالُ مَعْنَاهَا‏:‏ أَوَّلُهَا الْبَقَرَةُ، وَآخِرُهَا بَرَاءَةٌ‏.‏ كَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ، لَكِنْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏‏:‏ السَّبْعُ الطُّوَالُ‏:‏ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ وَالْأَنْعَامُ وَالْأَعْرَافُ‏‏.‏ قَالَ الرَّاوِي‏‏:‏ وَذَكَرَ السَّابِعَةَ فَنَسِيتُهَا‏‏.‏

وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ أَنَّهَا يُونُسُ‏.‏ وَتَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ‏‏.‏ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَاكِم‏:‏ أَنَّهَا الْكَهْفُ‏‏.‏

وَالْمِئُونُ مَعْنَاهَا‏:‏ مَا وَلِيَهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لْأَنَّ كُلَّ سُورَةٍ مِنْهَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةِ آيَةٍ أَوْ تُقَارِبُهَا‏‏.‏

وَالْمَثَانِي مَعْنَاهَا‏:‏ مَا وَلِيَ الْمِئِينَ لْأَنَّهَا ثَنَّتْهَا‏، أَيْ‏:‏ كَانَتْ بَعْدَهَا فَهِيَ لَهَا ثَوَانٍ، وَالْمِئُونُ لَهَا أَوَائِلُ‏‏.‏

وَقَالَ الْفَرَّاءُ‏‏:‏ هِيَ السُّورَةُ الَّتِي آيُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَةِ آيَةٍ لْأَنَّهَا تُثَنَّى أَكْثَرَ مِمَّا يُثَنَّى الطُّوَالُ وَالْمِئُونَ‏‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ لِتَثْنِيَةِ الْأَمْثَالِ مِنْهَا بِالْعِبَرِ وَالْخَبَرِ‏.‏ حَكَاهُ النِّكْزَاوِيُّ‏‏.‏

وَقَالَ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ‏:‏ هِيَ السُّوَرُ الَّتِي ثُنِّيَتْ فِيهَا الْقَصَصُ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْقُرْآنِ كُلِّهِ وَعَلَى الْفَاتِحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ‏‏.‏

وَالْمُفَصَّلُ مَعْنَاهُ وَأَوَّلُهُ‏:‏ مَا وَلِيَ الْمَثَانِي مِنْ قِصَارِ السُّوَرِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ الَّتِي بَيْنَ السُّوَرِ بِالْبَسْمَلَةِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ مِنْهُ وَلِهَذَا يُسَمَّى بِالْمُحْكَمِ أَيْضًا، كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ‏‏:‏ إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُفَصَّلَ هُوَ الْمُحْكَمُ‏.‏ وَآخِرُهُ سُورَةُ النَّاسِ بِلَا نِزَاعٍ‏‏.‏

وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِهِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ قَوْلًا‏:‏

أَحَدُهَا‏‏:‏ ق، لِحَدِيثِ أَوْسٍ السَّابِقِ قَرِيبًا‏‏.‏

الثَّانِي‏‏:‏ الْحُجُرَاتِ، وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ‏‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ الْقِتَالِ، عَزَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ‏‏.‏

الرَّابِعُ‏‏:‏ الْجَاثِيَةِ، حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ‏.‏

الْخَامِسُ‏‏:‏ الصَّافَّاتِ‏.‏

السَّادِسُ‏‏:‏ الصَّفِّ‏.‏

السَّابِعُ‏‏:‏ تَبَارَكَ، حَكَى الثَّلَاثَةَ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَنِيُّ عَلَى التَّنْبِيهِ‏‏.‏

الثَّامِنُ‏‏:‏ الْفَتْحِ، حَكَاهُ الْكَمَالُ الذِّمَارَيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ‏‏.‏

التَّاسِعُ‏:‏ الرَّحْمَنِ، حَكَاهُ ابْنُ السِّيدِ فِي أَمَالِيهِ عَلَى الْمُوَطَّأِ‏‏.‏

الْعَاشِرُ‏‏:‏ الْإِنْسَانِ‏.‏

الْحَادِي عَشَرَ‏‏:‏ سَبِّحِ، حَكَاهُ ابْنُ الْفِرْكَاحِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمَرْزُوقِيِّ‏‏.‏

الثَّانِي عَشَرَ‏‏:‏ الضُّحَى، حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ‏‏.‏ وَوَجَّهَهُ‏:‏ بِأَنَّ الْقَارِئَ يَفْصِلُ بَيْنَ هَذِهِ السُّوَرِ بِالتَّكْبِيرِ‏‏.‏

وَعِبَارَةُ الرَّاغِبِ فِي مُفْرَدَاتِه‏‏:‏ الْمُفَصَّلُ مِنَ الْقُرْآنِ السُّبُعُ الْأَخِيرُ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

لِلْمُفَصَّلِ طِوَالٌ وَأَوْسَاطٌ وَقِصَارٌ، قَالَ ابْنُ مَعْنٍ‏‏:‏ فَطِوَالُهُ إِلَى عَمَّ، وَأَوْسَاطُهُ مِنْهَا إِلَى الضُّحَى، وَمِنْهَا إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ قِصَارُهُ‏.‏ هَذَا أَقْرَبُ مَا قِيلَ فِيهِ‏‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ الْمُفَصَّلُ، فَقَالَ‏‏:‏ وَأَيُّ الْقُرْآنِ لَيْسَ بِمُفَصَّلٍ‏؟‏ وَلَكِنْ قُولُوا‏:‏ قِصَارُ السُّوَرِ وَصِغَارُ السُّوَرِ‏‏.‏

وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ سُورَةٌ قَصِيرَةٌ وَصَغِيرَةٌ‏.‏ وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَرَخَّصَ فِيهِ آخَرُونَ‏.‏ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَا‏‏:‏ لَا تَقُلْ‏:‏ سُورَةٌ خَفِيفَةٌ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا‏}‏ ‏[‏الْمُزَّمِّل‏:‏ 5‏]‏ وَلَكِنْ‏:‏ سُورَةٌ يَسِيرَةٌ‏‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَالَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِف‏:‏ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ قَالَ‏‏:‏

هَذَا تَأْلِيفُ مُصْحَفِ أُبَيٍّ‏:‏ الْحَمْدُ، ثُمَّ الْبَقَرَةُ، ثُمَّ النِّسَاءُ، ثُمَّ آلُ عِمْرَانَ، ثُمَّ الْأَنْعَامُ، ثُمَّ الْأَعْرَافُ، ثُمَّ الْمَائِدَةُ، ثُمَّ يُونُسُ، ثُمَّ الْأَنْفَالُ، ثُمَّ بَرَاءَةٌ، ثُمَّ هَوَّدٌ، ثُمَّ مَرْيَمُ، ثُمَّ الشُّعَرَاءُ، ثُمَّ الْحَجُّ، ثُمَّ يُوسُفُ، ثُمَّ الْكَهْفُ، ثُمَّ النَّحْلُ، ثُمَّ الْأَحْزَابُ، ثُمَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ الزُّمَرُ أَوَّلُهَا حم، ثُمَّ طه، ثُمَّ الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ النُّورُ، ثُمَّ الْمُؤْمِنُونَ، ثُمَّ سَبَأٌ، ثُمَّ الْعَنْكَبُوتُ، ثُمَّ الْمُؤْمِنُ، ثُمَّ الرَّعْدُ، ثُمَّ الْقَصَصُ، ثُمَّ النَّمْلُ، ثُمَّ الصَّافَّاتُ، ثُمَّ ص، ثُمَّ يس، ثُمَّ الْحِجْرُ، ثُمَّ حم عسق، ثُمَّ الرُّومُ، ثُمَّ الْحَدِيدُ، ثُمَّ الْفَتْحُ، ثُمَّ الْقِتَالُ، ثُمَّ الظِّهَارُ، ثُمَّ تَبَارَكَ الْمُلْكُ، ثُمَّ السَّجْدَةُ، ثُمَّ ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا‏}‏، ثُمَّ الْأَحْقَافُ، ثُمَّ ق، ثُمَّ الرَّحْمَنُ، ثُمَّ الْوَاقِعَةُ، ثُمَّ الْجِنُّ، ثُمَّ النَّجْمُ، ثُمَّ ‏{‏سَأَلَ سَائِلٌ‏}‏، ثُمَّ الْمُزَّمِّلُ، ثُمَّ الْمُدَّثِّرُ، ثُمَّ اقْتَرَبَتْ، ثُمَّ حم الدُّخَانُ، ثُمَّ لُقْمَانُ، ثُمَّ حم الْجَاثِيَةُ، ثُمَّ الطَّوْرُ، ثُمَّ الذَّارِيَاتُ، ثُمَّ ن، ثُمَّ الْحَاقَّةُ، ثُمَّ الْحَشْرُ، ثُمَّ الْمُمْتَحَنَةُ، ثُمَّ الْمُرْسَلَاتُ، ثُمَّ ‏{‏عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ‏}‏، ثُمَّ ‏{‏لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏، ثُمَّ ‏{‏إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ‏}‏، ثُمَّ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ‏}‏، ثُمَّ النَّازِعَاتُ، ثُمَّ التَّغَابُنُ، ثُمَّ عَبَسَ، ثُمَّ الْمُطَفِّفِينَ، ثُمَّ ‏{‏إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ‏}‏، ثُمَّ ‏{‏وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ‏}‏، ثُمَّ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏}‏، ثُمَّ الْحُجُرَاتُ، ثُمَّ الْمُنَافِقُونَ، ثُمَّ الْجُمُعَةُ، ثُمَّ لِمَ تُحَرِّمُ، ثُمَّ الْفَجْرُ، ثُمَّ ‏{‏لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ‏}‏، ثُمَّ وَاللَّيْلِ، ثُمَّ ‏{‏إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ‏}‏، ثُمَّ ‏{‏وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا‏}‏، ثُمَّ ‏{‏وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ‏}‏، ثُمَّ ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ‏}‏، ثُمَّ الْغَاشِيَةُ، ثُمَّ الصَّفُّ، ثُمَّ سُورَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهِيَ لَمْ يَكُنْ، ثُمَّ الضُّحَى، ثُمَّ أَلَمْ نَشْرَحْ، ثُمَّ الْقَارِعَةُ، ثُمَّ التَّكَاثُرُ، ثُمَّ الْعَصْرُ، ثُمَّ سُورَةُ الْخُلْعِ، ثُمَّ سُورَةُ الْحَفْدِ، ثُمَّ ‏{‏وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ‏}‏، ثُمَّ إِذَا زُلْزِلَتْ، ثُمَّ الْعَادِيَاتُ، ثُمَّ الْفِيلُ، ثُمَّ لِإِيلَافِ، ثُمَّ أَرَأَيْتَ، ثُمَّ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ، ثُمَّ الْقَدْرُ، ثُمَّ الْكَافِرُونَ، ثُمَّ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ‏}‏، ثُمَّ تَبَّتْ، ثُمَّ الصَّمَدُ، ثُمَّ الْفَلَقُ، ثُمَّ النَّاسُ‏‏.‏

قَالَ ابْنُ أَشْتَةَ أَيْضًا‏‏:‏ وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ نَافِعٍ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ مُوسَى، حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مِهْرَانَ الطَّائِيُّ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ‏‏:‏ تَأْلِيفُ مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ‏:‏

الطُّوَالُ‏‏:‏ الْبَقَرَةُ وَالنِّسَاءُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالْأَعْرَافُ وَالْأَنْعَامُ وَالْمَائِدَةُ، وَيُونُسَ‏‏.‏

وَالْمَئِينُ‏‏:‏ بَرَاءَةٌ وَالنَّحْلُ وَهُودٌ وَيُوسُفُ وَالْكَهْفُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ وَالْأَنْبِيَاءُ وَطه وَالْمُؤْمِنُونَ وَالشُّعَرَاءُ، وَالصَّافَّاتُ‏‏.‏

وَالْمَثَانِي‏‏:‏ الْأَحْزَابُ وَالْحَجُّ وَالْقَصَصُ وَطس النَّمْلُ وَالنُّورُ وَالْأَنْفَالُ وَمَرْيَمُ وَالْعَنْكَبُوتُ وَالرُّومُ وَيس وَالْفُرْقَانُ وَالْحِجْرُ وَالرَّعْدُ وَسَبَأٌ وَالْمَلَائِكَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَص وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَلُقْمَانُ وَالزُّمَرُ وَالْحَوَامِيمُ‏‏:‏ حم الْمُؤْمِنُ وَالزُّخْرُفُ وَالسَّجْدَةُ وَحم وَعسق وَالْأَحْقَافُ وَالْجَاثِيَةُ وَالدُّخَانُ وَإِنَّا فَتَحْنَا لَكَ وَالْحَشْرُ وَتَنْزِيلُ السَّجْدَةُ وَالطَّلَاقُ وَن وَالْقَلَمُ وَالْحُجُرَاتُ وَتَبَارَكَ وَالتَّغَابُنُ وَ‏{‏إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ‏}‏ وَالْجُمُعَةُ وَالصَّفُّ وَ‏{‏قُلْ أُوحِيَ‏}‏ وَ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَا‏}‏ وَالْمُجَادَلَةُ وَالْمُمْتَحَنَةُ، وَ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ‏}‏‏.‏

وَالْمُفَصَّلُ‏‏:‏ الْرَحْمَنُ وَالنَّجْمُ وَالطَّوْرُ وَالذَّارِيَاتُ وَ‏{‏اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ‏}‏ وَالْوَاقِعَةُ وَالنَّازِعَاتُ وَسَأَلَ سَائِلٌ وَالْمُدَّثِّرُ وَالْمُزَّمِّلُ وَالْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ وَهَلْ أَتَى وَالْمُرْسَلَاتُ وَالْقِيَامَةُ وَ‏{‏عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ‏}‏ وَ‏{‏إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ‏}‏ وَ‏{‏إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ‏}‏ وَالْغَاشِيَةُ وَسَبِّحْ وَاللَّيْلُ وَالْفَجْرُ وَالْبُرُوجُ وَ‏{‏إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ‏}‏ وَ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏}‏ وَالْبَلَدُ وَالضُّحَى وَالطَّارِقُ وَالْعَادِيَاتُ وَأَرَأَيْتَ وَالْقَارِعَةُ وَلَمْ يَكُنْ، وَ‏{‏وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا‏}‏ وَالتِّينُ وَ‏{‏وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ‏}‏ وَ‏{‏أَلَمْ تَرَ كَيْفَ‏}‏ وَ‏{‏لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ‏}‏ وَ‏{‏أَلْهَاكُمْ‏}‏ وَ‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ‏}‏ وَ‏{‏إِذَا زُلْزِلَتْ وَالْعَصْرُ‏}‏ وَ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ‏}‏ وَالْكَوْثَرُ وَ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏ وَتَبَّتْ وَ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدْ‏}‏ وَأَلَمْ نَشْرَحْ وَلَيْسَ فِيهِ الْحَمْدُ وَلَا الْمُعَوِّذَتَانِ‏‏.‏

النَّوْعُ التَّاسِعُ عَشَرَ‏:‏ فِي عَدَدِ سُوَرِهِ وَآيَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَحُرُوفِهِ

أَمَّا سُوَرِه‏:‏ فَمِائَةٌ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةٍ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ، وَقِيلَ‏:‏ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، بِجَعْلِ الْأَنْفَالِ وَ بَرَاءَةٌ سُورَةً وَاحِدَة‏ً‏.‏

أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ قَالَ‏‏:‏ الْأَنْفَالُ وَ بَرَاءَةٌ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ‏.‏

وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ‏‏:‏ سَأَلْتُ الْحَسَنَ، عَنِ الْأَنْفَالِ وَ بَرَاءَةٌ‏:‏ سُورَتَانِ أَمْ سُورَةٌ‏؟‏ قَالَ‏‏:‏ سُورَتَانِ‏‏.‏

وَنُقِلَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏‏.‏ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ سُفْيَانَ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ قَالَ‏‏:‏ يَقُولُونَ إِنَّ بَرَاءَةٌ مِنْ يَسْأَلُونَكَ وَشُبْهَتُهُمُ اشْتِبَاهُ الطَّرَفَيْنِ وَعَدَمُ الْبَسْمَلَةِ‏‏.‏ وَيَرُدُّهُ تَسْمِيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلًا مِنْهُمَا‏‏.‏

وَنَقَلَ صَاحِبُ الْإِقْنَاع‏:‏ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ ثَابِتَةٌ لِ بَرَاءَةٌ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ‏:‏ وَلَا يُؤْخَذُ بِهَذَا‏.‏

قَالَ الْقُشَيْرِيُّ‏:‏ الصَّحِيحُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تَكُنْ فِيهَا‏;‏ لِأَنَّ جِبْرِيلَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمْ يَنْزِلْ بِهَا فِيهَا‏‏.‏

وَفِي الْمُسْتَدْرَك‏:‏ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏‏:‏ سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ لِمَ لَمْ تُكْتَبْ فِي بَرَاءَةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لِأَنَّهَا أَمَانٌ، وَ بَرَاءَةٌ نُزِّلَتْ بِالسَّيْفِ‏‏.‏

وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَوَّلَهَا لَمَّا سَقَطَ سَقَطَ مَعَهُ الْبَسْمَلَةُ؛ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ تَعْدِلُ الْبَقَرَةَ لِطُولِهَا‏‏.‏

وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِائَةٌ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ سُورَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْتُبِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ سِتَّ عَشْرَةَ؛ لِأَنَّهُ كَتَبَ فِي آخِرِهِ سُورَتَيِ الْحَفْدِ وَالْخُلْعِ‏.‏

أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ‏:‏ كَتَبَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فِي مُصْحَفِهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَاللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَتَرَكَهُنَّ ابْنُ مَسْعُودٍ‏‏.‏ وَكَتَبَ عُثْمَانُ مِنْهُنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الدُّعَاءِ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى الْأَسْلَمِيِّ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ قَالَ‏‏:‏ قَالَ لِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ‏‏:‏ لَقَدْ عَلِمْتُ مَا حَمَلَكَ عَلَى حُبِّ أَبِي تُرَابٍ إِلَّا أَنَّكَ أَعْرَابِيٌّ جَافٌّ، فَقُلْتُ‏‏:‏ وَاللَّهِ لَقَدْ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْتَمِعَ أَبَوَاكَ، وَلَقَدْ عَلَّمَنِي مِنْهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سُورَتَيْنِ عَلَّمَهُمَا إِيَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَلِمْتَهُمَا أَنْتَ وَلَا أَبُوكَ‏:‏ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ وَلَا نُكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ، وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ‏‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ وَلَا نُكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى نِقْمَتَكَ إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكَافِرِينَ مُلْحَقٌ‏.‏

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏‏:‏ حِكْمَةُ الْبَسْمَلَةِ أَنَّهُمَا سُورَتَانِ فِي مُصْحَفِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ بِالسُّورَتَيْنِ، فَذَكَرَهُمَا، وَأَنَّهُ كَانَ يَكْتُبْهُمَا فِي مُصْحَفِهِ‏‏.‏

وَقَالَ ابْنُ الضُّرَيْس‏:‏ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، أَنْبَأَنَا الْأَجْلَحُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏‏:‏ فِي مُصْحَفِ ابْنِ عَبَّاسٍ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ وَأَبِي مُوسَى‏‏:‏ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ وَلَا نَكْفُرُكَ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ‏.‏ وَفِيه‏:‏ اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَخْشَى عَذَابَكَ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ‏‏:‏ أَمَّنَا أُمِّيَّةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ بِخُرَاسَانَ، فَقَرَأَ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْن‏:‏ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ‏‏.‏

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ‏:‏ «أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ قوله‏:‏ ‏{‏لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ‏}‏ الْآيَةَ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 128‏]‏ لَمَّا قَنَتَ يَدْعُو عَلَى مُضَرَ‏»‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَذَا نَقَلَ جَمَاعَةٌ، عَنْ مُصْحَفِ أُبَيٍّ أَنَّهُ سِتَّ عَشْرَةَ سُورَةً وَالصَّوَابُ أَنَّهُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَإِنَّ سُورَةَ الْفِيلِ وَسُورَةَ ‏{‏لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ‏}‏ فِيهِ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ، وَنَقَلَ ذَلِكَ السَّخَاوِيُّ فِي جَمَالِ الْقُرَّاءِ، عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ وَأَبِي نَهِيكٍ، أَيْضًا‏‏.‏

قُلْتُ‏‏:‏ وَيَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «فَضَّلَ اللَّهُ قُرَيْشًا بِسَبْعٍ» الْحَدِيثَ وَفِيه‏:‏ «وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِيهِمْ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ‏:‏ ‏{‏لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ‏}‏»‏.‏

وَفِي كَامِلِ الْهُذَلِيِّ، عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ‏‏:‏ الضُّحَى وَأَلَمْ نَشْرَحْ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ، نَقَلَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنْ طَاوُسٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ‏‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قِيلَ‏:‏ الْحِكْمَةُ فِي تَسْوِيرِ الْقُرْآنِ سُوَرًا تَحْقِيقُ كَوْنِ السُّورَةِ بِمُجَرَّدِهَا مُعْجِزَةً وَآيَةً مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَالْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ كُلَّ سُورَةٍ نَمَطٌ مُسْتَقِلٌّ‏.‏ فَسُورَةُ يُوسُفَ تُتَرْجِمُ، عَنْ قِصَّتِهِ، وَسُورَةُ بَرَاءَةٌ تُتَرْجِمُ عَنْ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَأَسْرَارِهِمْ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ‏.‏ وَسُوِّرَتِ السُّوَرُ سُوَرًا طِوَالًا وَأَوْسَاطًا وَقِصَارًا؛ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الطُّولَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْإِعْجَازِ فِي الْقُرْآنِ، فَهَذِهِ سُورَةُ الْكَوْثَرِ ثَلَاثُ آيَاتٍ، وَهِيَ مُعْجِزَةٌ إِعْجَازَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ ظَهَرَتْ لِذَلِكَ حِكْمَةٌ فِي التَّعْلِيمِ وَتَدْرِيجِ الْأَطْفَالِ مِنَ السُّورِ الْقِصَارِ إِلَى مَا فَوْقَهَا تَيْسِيرًا مِنَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ لِحِفْظِ كِتَابِهِ‏‏.‏

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَان‏:‏ فَإِنْ قُلْتَ‏‏:‏ فَهَلَّا كَانَتِ الْكُتُبُ السَّالِفَةُ كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏

قُلْتُ‏‏:‏ لِوَجْهَيْنِ‏، أَحَدُهُمَا‏‏:‏ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُعْجِزَاتٍ مِنْ جِهَةِ النَّظْمِ وَالتَّرْتِيبِ‏.‏

وَالْآخَرُ‏:‏ أَنَّهَا لَمْ تُيَسَّرْ لِلْحِفْظِ‏.‏ لَكِنْ ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَا يُخَالِفُهُ، فَقَالَ فِي الْكَشَّاف‏:‏

الْفَائِدَةُ فِي تَفْصِيلِ الْقُرْآنِ وَتَقْطِيعِهِ سُوَرًا كَثِيرَةً، وَكَذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ، وَمَا أَوْحَاهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ مُسَوَّرَةً، وَبَوَّبَ الْمُصَنِّفُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَبْوَابًا مُوَشَّحَةَ الصُّدُورِ بِالتَّرَاجِم‏:‏

مِنْهَا‏‏:‏ أَنَّ الْجِنْسَ إِذَا انْطَوَتْ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ وَأَصْنَافٌ كَانَ أَحْسَنَ وَأَفْخَمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَابًا وَاحِدًا‏‏.‏

وَمِنْهَا‏‏:‏ أَنَّ الْقَارِئَ إِذَا خَتَمَ سُورَةً أَوْ بَابًا مِنَ الْكِتَابِ ثُمَّ أَخَذَ فِي آخَرَ، كَانَ أَنْشَطَ لَهُ وَأَبْعَثَ عَلَى التَّحْصِيلِ مِنْهُ لَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْكِتَابِ بِطُولِهِ، وَمَثَلُهُ الْمُسَافِرُ إِذَا قَطَعَ مِيلًا أَوْ فَرْسَخًا نَفَّسَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَنَشِطَ لِلسَّيْرِ، وَمِنْ ثَمَّ جُزِّئَ الْقُرْآنُ أَجْزَاءً وَأَخْمَاسًا‏‏.‏

وَمِنْهَا‏‏:‏ أَنَّ الْحَافِظَ إِذَا حَذَقَ السُّورَةَ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ طَائِفَةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا فَيَعْظُمُ عِنْدَهُ مَا حَفِظَهُ‏‏.‏

وَمِنْهُ حَدِيثُ أَنَسٍ‏‏:‏ «كَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ جَدَّ فِينَا»‏.‏ وَمِنْ ثَمَّ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ بِسُورَةٍ أَفْضَلَ‏.‏

وَمِنْهَا‏‏:‏ أَنَّ التَّفْصِيلَ بِسَبَبِ تَلَاحُقِ الْأَشْكَالِ وَالنَّظَائِرِ وَمُلَاءَمَةِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، وَبِذَلِكَ تَتَلَاحَظُ الْمَعَانِي وَالنُّظُمُ‏.‏ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ تَسْوِيرِ سَائِرِ الْكُتُبِ هُوَ الصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ، فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏‏:‏ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الزَّبُورَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ سُورَةً، كُلُّهَا مَوَاعِظُ وَثَنَاءٌ، لَيْسَ فِيهِ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ، وَلَا فَرَائِضُ وَلَا حُدُودٌ، وَذَكَرُوا أَنَّ فِي الْإِنْجِيلِ سُورَةً تُسَمَّى سُورَةُ الْأَمِثَالِ‏‏.‏

فَصْلٌ فِي عَدِّ الْآيِ

أَفْرَدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ بِالتَّصْنِيفِ‏‏.‏

قَالَ الْجَعْبَرِيّ‏ُ‏:‏ حَدُّ الْآيَةِ قُرْآنٌ مُرَكَّبٌ مِنْ جُمَلٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا، ذُو مَبْدَإٍ أَوْ مَقْطَعٍ مُنْدَرِجٍ فِي سُورَةٍ‏.‏ وَأَصْلُهَا الْعَلَامَةُ‏‏.‏ وَمِنْهُ‏‏:‏ ‏{‏إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 248‏]‏، لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ لِلْفَضْلِ وَالصِّدْقِ‏.‏ أَوِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهَا جَمَاعَةُ كَلِمَةٍ‏‏.‏

وَقَالَ غَيْرُهُ‏‏:‏ الْآيَةُ طَائِفَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ، مُنْقَطِعَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا‏‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ هِيَ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْمَعْدُودَاتِ فِي السُّوَرِ، سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ عَلَى صِدْقِ مَنْ أَتَى بِهَا، وَعَلَى صِدْقِ الْمُتَحَدِّي بِهَا‏‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ عَلَى انْقِطَاعِ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْكَلَامِ وَانْقِطَاعِهِ مِمَّا بَعْدَهَا‏‏.‏

قَالَ الْوَاحِدِيُّ‏:‏ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا يُجَوِّزُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَسْمِيَةَ أَقَلِّ مِنَ الْآيَةِ آيَةً، لَوْلَا أَنَّ التَّوْقِيفَ وَرَدَ بِمَا هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ‏‏.‏

وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي‏ُّ‏:‏ لَا أَعْلَمُ كَلِمَةً هِيَ وَحْدَهَا آيَةً إِلَّا قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏مُدْهَامَّتَانِ‏}‏ ‏[‏الرَّحْمَن‏:‏ 64‏]‏‏.‏

وَقَالَ غَيْرُهُ‏‏:‏ بَلْ فِيهِ غَيْرُهَا مِثْلُ ‏{‏وَالنَّجْمِ‏}‏، ‏{‏وَالضُّحَى‏}‏، ‏{‏وَالْعَصْرِ‏}‏ وَكَذَا فَوَاتِحُ السُّوَرِ عِنْدَ مَنْ عَدَّهَا‏‏.‏

‏[‏طَرِيقُ تَحْدِيدِ الْآيَةِ فِي الْقُرْآن‏]‏

قَالَ بَعْضُهُمُ‏‏:‏ الصَّحِيحُ أَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا تُعْلَمُ بِتَوْقِيفٍ مِنَ الشَّارِعِ كَمَعْرِفَةِ السُّورَةِ‏.‏

قَالَ‏‏:‏ فَالْآيَةُ طَائِفَةٌ مِنْ حُرُوفِ الْقُرْآنِ عُلِمَ بِالتَّوْقِيفِ انْقِطَاعُهَا‏.‏ يَعْنِي‏:‏ عَنِ الْكَلَامِ الَّذِي بَعْدَهَا فِي أَوَّلِ الْقُرْآنِ، وَعَنِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهَا فِي آخِرِ الْقُرْآنِ، وَعَمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي غَيْرِهِمَا، غَيْرَ مُشْتَمِلٍ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ‏‏.‏

قَالَ‏‏:‏ وَبِهَذَا الْقَيْدِ خَرَجَتِ السُّورَة‏ُ‏.‏

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ‏‏:‏ الْآيَاتُ عِلْمٌ تَوْقِيفِيٌّ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ، فِيهِ وَلِذَلِكَ عَدُّوا الم آيَةً حَيْثُ وَقَعَتْ، وَالمص وَلَمْ يَعُدُّوا المر وَالر وَعَدُّوا حم آيَةً فِي سُوَرِهَا، وَطه وَيس وَلَمْ يَعُدُّوا طس‏.‏

قُلْتُ‏‏:‏ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَوْقِيفِيٌّ‏:‏ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرٍّ، «عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏‏:‏ أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةً مِنَ الثَّلَاثِينَ مِنْ آلِ ‏(‏حم‏)‏‏‏.‏

قَالَ‏‏:‏ يَعْنِي الْأَحْقَافَ‏‏.‏ وَقَالَ‏‏:‏ كَانَتِ السُّورَةُ إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ آيَةً سُمِّيَتِ الثَّلَاثِينَ» الْحَدِيثَ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيّ‏:‏ «ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ وَسُورَةُ الْمُلْكِ ثَلَاثُونَ آيَةً»، وَصَحَّ «أَنَّهُ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِيمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ»‏.‏

قَالَ‏‏:‏ وَتَعْدِيدُ الْآيِ مِنْ مُعْضِلَاتِ الْقُرْآنِ، وَمِنْ آيَاتِهِ طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ، وَمِنْهُ مَا يَنْتَهِي إِلَى تَمَامِ الْكَلَامِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ فِي أَثْنَائِهِ‏‏.‏

وَقَالَ غَيْرُهُ‏‏:‏ سَبَبُ اخْتِلَافِ السَّلَفِ فِي عَدَدِ الْآيِ فِي الْقُرْآنِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقِفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ» لِلتَّوْقِيفِ، فَإِذَا عُلِمَ مَحَلُّهَا وَصَلَ لِلتَّمَامِ، فَيَحْسَبُ السَّامِعُ حِينَئِذٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ فَاصِلَةً‏.‏

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ، مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏‏:‏ جَمِيعُ آيِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ آيَةً، وَجَمِيعُ حُرُوفِ الْقُرْآنِ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفِ حَرْفٍ وَثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ حَرْفٍ وَسِتُّمِائَةِ حَرْفٍ وَوَاحِدٌ وَسَبْعُونَ حَرْفًا‏‏.‏

قَالَ الدَّانِي‏ُّ‏:‏ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَدَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَزِدْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ‏:‏ وَمِائَتَا آيَةٍ وَأَرْبَعُ آيَاتٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ وَتِسْعَ عَشْرَةَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ وَسِتٌّ وَثَلَاثُونَ‏‏.‏

قُلْتُ‏‏:‏ أَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ طَرِيقِ الْفَيْضِ بْنِ وَثِيقٍ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «دَرَجُ الْجَنَّةِ عَلَى قَدْرِ آيِ الْقُرْآنِ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةٌ فَتِلْكَ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ وَمِائَتَا آيَةٍ وَسِتُّ عَشْرَةَ آيَةٍ بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِقْدَارُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»‏.‏

الْفَيْضُ‏:‏ قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ‏:‏ كَذَّابٌ خَبِيثٌ‏‏.‏

وَفِي الشُّعْبِ لِلْبَيْهَقِيِّ، مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا‏:‏ «عَدَدُ دَرَجِ الْجَنَّةِ عَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ دَرَجَةٌ»‏.‏

قَالَ الْحَاكِمُ‏:‏ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ شَاذٌّ‏، وَأَخْرَجَهُ الْآجُرِّيُّ فِي حَمَلَةِ الْقُرْآنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهَا مَوْقُوفًا‏‏.‏

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَوْصِلِيُّ فِي شَرْحِ قَصِيدَتِهِ ذَاتُ الرَّشَدِ فِي الْعَدَدِ‏:‏ اخْتَلَفَ فِي عَدَدِ الْآيِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ‏.‏

وَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَدَدَان‏:‏ عَدَدٌ أَوَّلٌ، وَهُوَ عَدَدُ أَبِي جَعْفَرٍ يَزِيدَ بْنِ الْقَعْقَاعِ وَشَيْبَةَ بْنِ نِصَاحٍ، وَعَدَدٌ آخَرُ، وَهُوَ عَدَدُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ‏‏.‏

وَأَمَّا عَدَدُ أَهْلِ مَكَّةَ فَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ‏‏.‏

وَأَمَّا عَدَدُ أَهْلِ الشَّام‏:‏ فَرَوَاهُ هَارُونُ بْنُ مُوسَى الْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ، وَأَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحُلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ‏‏.‏

وَرَوَاهُ ابْنُ ذَكْوَانَ وَهِشَامٌ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ تَمِيمٍ الْقَارِئِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ الذِّمَارِيِّ‏.‏

قَالَ‏‏:‏ هَذَا الْعَدَدُ الَّذِي نَعُدُّهُ عَدَدُ أَهْلِ الشَّامِ مِمَّا رَوَاهُ الْمَشْيَخَةُ لَنَا عَنِ الصَّحَابَةِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْيَحْصَبِيُّ لَنَا وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ‏‏.‏

وَأَمَّا عَدَدُ أَهْلِ الْبَصْرَة‏:‏ فَمَدَارُهُ عَلَى عَاصِمِ بْنِ الْعَجَّاجِ الْجَحْدَرِيِّ‏‏.‏

وَأَمَّا عَدَدُ أَهْلِ الْكُوفَة‏:‏ فَهُوَ الْمُضَافُ إِلَى حَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ، وَأَبِي الْحَسَنِ الْكِسَائِيِّ وَخَلَفِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ حَمْزَةُ‏‏:‏ أَخْبَرَنَا بِهَذَا الْعَدَدِ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏‏.‏

قَالَ الْمَوْصِلِيُّ‏‏:‏ ثُمَّ سُوَرُ الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ فِي عَدَدِ الْآيَات‏:‏ قِسْمٌ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ لَا فِي إِجْمَالٍ وَلَا فِي تَفْصِيلٍ، وَقِسْمٌ اخْتُلِفَ فِيهِ تَفْصِيلًا لَا إِجْمَالًا، وَقِسْمٌ اخْتُلِفَ فِيهِ إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا‏‏.‏

فَالْأَوَّلُ‏‏:‏ أَرْبَعُونَ سُورَةً‏:‏ ‏(‏يُوسُفُ‏)‏ مِائَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ، ‏(‏الْحِجْرُ‏)‏ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ، ‏(‏النَّحْلُ‏)‏ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، ‏(‏الْفُرْقَانُ‏)‏ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ، ‏(‏الْأَحْزَابُ‏)‏ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ، ‏(‏الْفَتْحُ‏)‏ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ‏(‏الْحُجُرَاتُ‏)‏ وَ‏(‏التَّغَابُنُ‏)‏ ثَمَانِ عَشْرَةَ، ‏(‏ق‏)‏ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ، ‏(‏الذَّارِيَاتُ‏)‏ سِتُّونَ، ‏(‏الْقَمَرُ‏)‏ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ، ‏(‏الْحَشْرُ‏)‏ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، ‏(‏الْمُمْتَحَنَةُ‏)‏ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، ‏(‏الصَّفُ‏)‏ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، ‏(‏الْجُمُعَةُ‏)‏ وَ‏(‏الْمُنَافِقُونَ‏)‏ وَ‏(‏الضُّحَى‏)‏ وَ‏(‏الْعَادِيَاتُ‏)‏ إِحْدَى عَشْرَةَ، ‏(‏التَّحْرِيمُ‏)‏ اثْنَتَا عَشْرَةَ، ‏(‏ن‏)‏ اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ، ‏(‏الْإِنْسَانُ‏)‏ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ، ‏(‏الْمُرْسَلَاتُ‏)‏ خَمْسُونَ، ‏(‏التَّكْوِيرُ‏)‏ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، ‏(‏الِانْفِطَارُ‏)‏ وَ‏(‏سَبِّحِ‏)‏ تِسْعَ عَشْرَةَ، ‏(‏التَّطْفِيفُ‏)‏ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ، ‏(‏الْبُرُوجُ‏)‏ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ، ‏(‏الْغَاشِيَةُ‏)‏ سِتٌّ وَعِشْرُونَ، ‏(‏الْبَلَدُ‏)‏ عِشْرُونَ، ‏(‏اللَّيْلُ‏)‏ إِحْدَى وَعِشْرُونَ، ‏(‏أَلَمْ نَشْرَحْ‏)‏ وَ‏(‏التِّينُ‏)‏ وَ‏(‏أَلْهَاكُمْ‏)‏، ثَمَانٍ، ‏(‏الْهَمْزَةُ‏)‏ تِسْعٌ، ‏(‏الْفِيلُ‏)‏ وَ‏(‏الْفَلَقُ‏)‏ وَ‏(‏تَبَّتْ‏)‏ خَمْسٌ ‏(‏الْكَافِرُونَ‏)‏ سِتٌّ، ‏(‏الْكَوْثَرُ‏)‏ وَ‏(‏النَّصْرُ‏)‏ ثَلَاثٌ‏‏.‏

وَالْقِسْمُ الثَّانِي‏‏:‏ أَرْبَعُ سُوَرٍ‏‏:‏ ‏(‏الْقَصَصُ‏)‏‏‏:‏ ثَمَانٌ وَثَمَانُونَ، عَدَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ طسم وَالْبَاقُونَ بَدَلَهَا‏:‏ ‏{‏أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ‏}‏ ‏[‏23‏]‏‏.‏

الْعَنْكَبُوت‏ُ‏:‏ تِسْعٌ وَسِتُّونَ، عَدَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ الم، وَالْبَصْرَةِ بَدَلَهَا ‏{‏مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏}‏ ‏[‏65‏]‏ وَالشَّامِ ‏{‏وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ‏}‏ ‏[‏29‏]‏‏.‏

الْجِنُّ‏:‏ ثَمَانٌ وَعِشْرُونَ، عَدَّ الْمَكِّيُّ ‏{‏لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ‏}‏ ‏[‏22‏]‏ وَالْبَاقُونَ بَدَلَهَا ‏{‏وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا‏}‏ ‏[‏22‏]‏‏‏.‏

الْعَصْرُ ثَلَاثٌ، عَدَّ الْمَدَنِيُّ الْأَخِيرَ ‏{‏وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ‏}‏ ‏[‏3‏]‏ دُونَ وَالْعَصْرِ وَعَكَسَ الْبَاقُونَ‏‏.‏

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ‏:‏ سَبْعُونَ سُورَةً‏:‏

الْفَاتِحَةُ‏:‏ الْجُمْهُورُ سَبْعٌ، فَعَدَّ الْكُوفِيُّ وَالْمَكِّيُّ الْبَسْمَلَةَ دُونَ ‏{‏أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏}‏ وَعَكَسَ الْبَاقُونَ‏‏.‏ وَقَالَ الْحَسَنُ‏‏:‏ ثَمَانٌ، فَعَدَّهُمَا، وَبَعْضُهُمْ سِتٌّ فَلَمْ يُعِدَّهُمَا، وَآخَرُ تِسْعٌ فَعَدَّهُمَا وَإِيَّاكَ نَعْبُدُ‏.‏

وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ‏:‏ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ‏:‏ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏.‏

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏.‏

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏.‏

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏.‏

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ‏.‏

صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ‏}‏

قَطَّعَهَا آيَةً آيَةً، وَعَدَّهَا عَدَّ الْأَعْرَابِ، وَعَدَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةً، وَلَمْ يَعُدَّ عَلَيْهِمْ »‏.‏

وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ- بِسَنَدٍ صَحِيحٍ- عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ‏‏:‏ سُئِلَ عَلِيٌّ عَنِ السَّبْعِ الْمَثَانِي‏.‏ فَقَالَ‏‏:‏ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏.‏ فَقِيلَ‏:‏ لَهُ إِنَّمَا هِيَ سِتُّ آيَاتٍ‏؟‏ فَقَالَ‏‏:‏ ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏}‏ آيَةٌ»‏‏.‏

الْبَقَرَةُ‏‏:‏ مِائَتَانِ وَثَمَانُونَ وَخَمْسٌ، وَقِيلَ‏:‏ سِتٌّ، وَقِيلَ‏:‏ سَبْعٌ‏‏.‏

آلُ عِمْرَانَ‏‏:‏ مِائَتَانِ، وَقِيلَ‏:‏ إِلَّا آيَةً‏‏.‏

النِّسَاء‏ُ‏:‏ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ وَخَمْسٌ، وَقِيلَ‏:‏ سِتٌّ، وَقِيلَ‏:‏ سَبْعٌ‏‏.‏

الْمَائِدَةُ‏:‏ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَقِيلَ وَاثْنَتَانِ، وَقِيلَ‏:‏ وَثَلَاثٌ‏.‏

الْأَنْعَامُ‏:‏ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ وَخَمْسٌ، وَقِيلَ‏:‏ سِتٌّ، وَقِيلَ‏:‏ سَبْعٌ‏.‏

الْأَعْرَافُ‏:‏ مِائَتَانِ وَخَمْسٌ، وَقِيلَ‏:‏ سِت‏ٌّ‏.‏

الْأَنْفَالُ‏:‏ سَبْعُونَ وَخَمْسٌ، وَقِيلَ‏:‏ سِتٌّ، وَقِيلَ‏:‏ سَبْع‏ٌ‏.‏

بَرَاءَةٌ‏:‏ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ، وَقِيلَ‏:‏ إِلَّا آيَة‏ً‏.‏

يُونُسَ‏‏:‏ مِائَةٌ وَعَشْرٌ، وَقِيلَ‏:‏ إِلَّا آيَةً‏‏.‏

هُودٌ‏:‏ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ، وَقِيلَ‏:‏ اثْنَتَانِ، وَقِيلَ‏:‏ ثَلَاثٌ‏‏.‏

الرَّعْدُ‏‏:‏ أَرْبَعُونَ وَثَلَاثٌ، وَقِيلَ‏:‏ أَرْبَعٌ، وَقِيلَ‏:‏ سَبْعٌ‏‏.‏

إِبْرَاهِيمُ‏:‏ إِحْدَى وَخَمْسُونَ، وَقِيلَ‏:‏ اثْنَتَانِ، وَقِيلَ‏:‏ أَرْبَعٌ، وَقِيلَ‏:‏ خَمْسٌ‏‏.‏

الْإِسْرَاءُ‏:‏ مِائَةٌ وَعَشْرٌ، وَقِيلَ‏:‏ وَإِحْدَى عَشْرَةَ‏‏.‏

الْكَهْفُ‏:‏ مِائَةٌ وَخَمْسٌ، وَقِيلَ‏:‏ وَسِتٌّ، وَقِيلَ‏:‏ وَعَشْرٌ، وَقِيلَ‏:‏ وَإِحْدَى عَشْرَةَ‏‏.‏

مَرْيَمُ‏:‏ تِسْعُونَ وَتِسْعٌ، وَقِيلَ‏:‏ ثَمَانٍ‏‏.‏

طه‏‏:‏ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ وَاثْنَتَانِ، وَقِيلَ‏:‏ أَرْبَعٌ، وَقِيلَ‏:‏ خَمْسٌ، وَقِيلَ‏:‏ وَأَرْبَعُونَ‏‏.‏

الْأَنْبِيَاءُ‏:‏ مِائَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَقِيلَ‏:‏ وَاثْنَتَا عَشْرَة‏َ‏.‏

الْحَجُّ‏:‏ سَبْعُونَ وَأَرْبَعٌ، وَقِيلَ‏:‏ وَخَمْسٌ، وَقِيلَ‏:‏ وَسِتٌّ، وَقِيلَ‏:‏ ثَمَان‏ٍ‏.‏

قَدْ أَفْلَحَ‏‏:‏ مِائَةٌ وَثَمَانِ عَشْرَةَ، وَقِيلَ‏:‏ تِسْعَ عَشْرَةَ‏‏.‏

النُّورُ‏:‏ سِتُّونَ وَاثْنَتَانِ، وَقِيلَ‏:‏ أَرْبَعٌ‏‏.‏

الشُّعَرَاءُ‏:‏ مِائَتَانِ وَعِشْرُونَ وَسِتٌّ، وَقِيلَ‏:‏ سَبْعٌ‏‏.‏

النَّمْلُ‏:‏ تِسْعُونَ وَاثْنَتَانِ، وَقِيلَ‏:‏ أَرْبَعٌ، وَقِيلَ‏:‏ خَمْس‏ٌ‏.‏

الرُّومُ‏:‏ سِتُّونَ، وَقِيلَ‏:‏ إِلَّا آيَةً‏‏.‏

لُقْمَانُ‏:‏ ثَلَاثُونَ وَثَلَاثٌ، وَقِيلَ‏:‏ أَرْبَع‏ٌ‏.‏

السَّجْدَةُ‏:‏ ثَلَاثُونَ، وَقِيلَ‏:‏ إِلَّا آيَةً‏.‏

سَبَأٌ‏:‏ خَمْسُونَ وَأَرْبَعٌ، وَقِيلَ‏:‏ خَمْسٌ‏‏.‏

فَاطِرٌ‏:‏ أَرْبَعُونَ وَسِتٌّ، وَقِيلَ‏:‏ خَمْسٌ‏‏.‏

يس‏‏:‏ ثَمَانُونَ وَثَلَاثٌ، وَقِيلَ‏:‏ اثْنَتَان‏ِ‏.‏

الصَّافَّاتُ‏:‏ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ وَآيَةٌ، وَقِيلَ‏:‏ آيَتَانِ‏‏.‏

ص‏‏:‏ ثَمَانُونَ وَخَمْسٌ، وَقِيلَ‏:‏ سِتٌّ، وَقِيلَ‏:‏ ثَمَانٍ‏‏.‏

الزُّمَرُ‏:‏ سَبْعُونَ وَآيَتَانِ، وَقِيلَ‏:‏ ثَلَاثٌ، وَقِيلَ‏:‏ خَمْسٌ‏‏.‏

غَافِرٌ‏:‏ ثَمَانُونَ وَآيَتَانِ، وَقِيلَ‏:‏ أَرْبَعٌ، وَقِيلَ‏:‏ خَمْسٌ، وَقِيلَ‏:‏ سِت‏ٌّ‏.‏

فُصِّلَتْ‏‏:‏ خَمْسُونَ وَاثْنَتَانِ، وَقِيلَ‏:‏ ثَلَاثٌ، وَقِيلَ‏:‏ أَرْبَعٌ‏‏.‏

الشُّورَى‏‏:‏ خَمْسُونَ، وَقِيلَ‏:‏ وَثَلَاثٌ‏‏.‏

الزُّخْرُفُ‏:‏ ثَمَانُونَ وَتِسْعٌ وَقِيلَ‏:‏ ثَمَانٍ‏‏.‏

الدُّخَانُ‏:‏ خَمْسُونَ وَسِتٌّ، وَقِيلَ‏:‏ سَبْعٌ، وَقِيلَ‏:‏ تِسْعٌ‏‏.‏

الْجَاثِيَةُ‏:‏ ثَلَاثُونَ وَسِتٌّ، وَقِيلَ‏:‏ سَبْع‏ٌ‏.‏

الْأَحْقَافُ‏:‏ ثَلَاثُونَ وَأَرْبَعٌ، وَقِيلَ‏:‏ خَمْس‏ٌ‏.‏

الْقِتَالُ‏:‏ أَرْبَعُونَ، وَقِيلَ‏:‏ إِلَّا آيَةً، وَقِيلَ‏:‏ إِلَّا آيَتَيْنِ‏‏.‏

الطُّورُ‏:‏ أَرْبَعُونَ وَسَبْعٌ، وَقِيلَ‏:‏ ثَمَانٍ وَقِيلَ‏:‏ تِسْعٌ‏‏.‏

النَّجْم‏ُ‏:‏ إِحْدَى وَسِتُّونَ، وَقِيلَ‏:‏ اثْنَتَان‏ِ‏.‏

الرَّحْمَنُ‏‏:‏ سَبْعُونَ وَسَبْعٌ، وَقِيلَ‏:‏ سِتٌّ، وَقِيلَ‏:‏ ثَمَانٍ‏.‏

الْوَاقِعَةُ‏:‏ تِسْعُونَ وَتِسْعٌ، وَقِيلَ‏:‏ سَبْعٌ، وَقِيلَ‏:‏ سِتٌ‏‏.‏

الْحَدِيدُ‏:‏ ثَلَاثُونَ وَثَمَانٍ، وَقِيلَ‏:‏ تِسْع‏ٌ‏.‏

قَدْ سَمِعَ‏:‏ اثْنَتَانِ، وَقِيلَ‏:‏ إِحْدَى وَعِشْرُونَ‏‏.‏

الطَّلَاقُ‏:‏ إِحْدَى وَقِيلَ‏:‏ اثْنَتَا عَشْرَةَ‏‏.‏

تَبَارَكَ‏‏:‏ ثَلَاثُونَ، وَقِيلَ‏:‏ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ بِعَدِّ ‏(‏قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ‏)‏ ‏[‏9‏]‏‏.‏

قَالَ الْمَوْصِلِيُّ‏:‏ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ‏‏.‏

قَالَ ابْنُ شَنَبُوذٍ‏‏:‏ وَلَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ‏‏.‏ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إِنَّ سُورَةً فِي الْقُرْآنِ ثَلَاثِينَ آيَةً شَفَعَتْ لِصَاحِبِهَا حَتَّى غُفِرَ لَهُ ‏(‏تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ‏)‏‏.‏

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ‏:‏ عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «سُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ مَا هِيَ إِلَّا ثَلَاثُونَ آيَةً، خَاصَمَتْ عَنْ صَاحِبِهَا حَتَّى أَدْخَلَتْهُ الْجَنَّةَ، وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ‏‏.‏

الْحَاقَّةُ‏:‏ إِحْدَى، وَقِيلَ‏:‏ اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ‏‏.‏

الْمَعْارِجُ‏:‏ أَرْبَعُونَ وَأَرْبَعٌ، وَقِيلَ‏:‏ ثَلَاثٌ‏‏.‏

نُوحٌ‏:‏ ثَلَاثُونَ، وَقِيلَ‏:‏ إِلَّا آيَةً، وَقِيلَ‏:‏ ثَلَاثٌ‏‏.‏

الْمُزَّمِّل‏:‏ عِشْرُونَ، وَقِيلَ‏:‏ إِلَّا آيَةً، وَقِيلَ‏:‏ إِلَّا آيَتَيْنِ‏‏.‏

الْمُدَّثِّر‏:‏ خَمْسُونَ وَخَمْسٌ، وَقِيلَ‏:‏ سِتٌ‏‏.‏

الْقِيَامَةُ‏:‏ أَرْبَعُونَ، وَقِيلَ‏:‏ إِلَّا آيَة‏ً‏.‏

عَمّ‏َ‏:‏ أَرْبَعُونَ، وَقِيلَ‏:‏ وَآيَةً‏‏.‏

النَّازِعَاتُ‏:‏ أَرْبَعُونَ وَخَمْسٌ، وَقِيلَ‏:‏ سِتٌ‏‏.‏

عَبَسَ‏‏:‏ أَرْبَعُونَ، وَقِيلَ‏:‏ وَآيَةٌ، وَقِيلَ‏:‏ وَآيَتَانِ‏‏.‏

الِانْشِقَاق‏ُ‏:‏ عِشْرُونَ وَثَلَاثٌ، وَقِيلَ‏:‏ أَرْبَعٌ، وَقِيلَ‏:‏ خَمْسٌ‏‏.‏

الطَّارِقُ‏‏:‏ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ‏:‏ سِتَّ عَشْرَةَ‏‏.‏

الْفَجْرُ‏:‏ ثَلَاثُونَ، وَقِيلَ‏:‏ إِلَّا آيَةً، وَقِيلَ‏:‏ اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ‏‏.‏

الشَّمْسُ‏:‏ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ‏:‏ سِتَّ عَشْرَةَ‏‏.‏

اقْرَأْ‏‏:‏ عِشْرُونَ، وَقِيلَ‏:‏ إِلَّا آيَةً‏.‏

الْقَدْرُ‏:‏ خَمْسٌ‏‏:‏، وَقِيلَ‏:‏ سِتٌ‏‏.‏

لَمْ يَكُنْ‏‏:‏ ثَمَانٍ، وَقِيلَ‏:‏ تِسْعٌ‏‏.‏

الزَّلْزَلَةُ‏:‏ تِسْعٌ، وَقِيلَ‏:‏ ثَمَانٍ‏‏.‏

الَقَارِعَةُ‏:‏ ثَمَانٍ، وَقِيلَ‏:‏ عَشْرٌ، وَقِيلَ‏:‏ إِحْدَى عَشْرَةَ‏‏.‏

قُرَيْشٌ‏:‏ أَرْبَعٌ، وَقِيلَ‏:‏ خَمْسٌ‏‏.‏

أَرَأَيْتَ‏‏:‏ سَبْعٌ، وَقِيلَ‏:‏ سِتٌّ‏‏.‏

الِإِخْلَاصُ‏:‏ أَرْبَعٌ، وَقِيلَ‏:‏ خَمْسٌ‏‏.‏

النَّاسُ‏:‏ سَبْعٌ، وَقِيلَ‏:‏ سِتٌ‏‏.‏

ضَوَابِطٌ‏‏:‏

الْبَسْمَلَةُ نَزَلَتْ مَعَ السُّورَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ، مَنْ قَرَأَ بِحَرْفٍ نَزَلَتْ فِيهِ عَدَّهَا، وَمَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِمَ يَعُدَّهَا‏‏.‏

وَعَدَّ أَهْلُ الْكُوفَةِ الم حَيْثُ وَقَعَ آيَةً، وَكَذَا المص وَطه وَكهيعص وَطسم وَيس وَحم، وَعَدُّوا حم وَعسق آيَتَيْنِ، وَمَنْ عَدَاهُمْ لَمْ يَعُدَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ‏‏.‏

وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعَدَدِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ ‏(‏الر‏)‏ حَيْثُ وَقَعَ آيَةً، وَكَذَا ‏(‏المر‏)‏، وَ‏(‏طس‏)‏، وَ‏(‏ص‏)‏، وَ‏(‏ق‏)‏، وَ‏(‏ن‏)‏‏‏.‏

ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَ بِالْأَثَرِ وَاتِّبَاعِ الْمَنْقُولِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ لَا قِيَاسَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ‏‏:‏ لَمْ يَعُدُّوا ‏(‏ص‏)‏ وَ‏(‏ن‏)‏ وَ‏(‏ق‏)‏؛ لِأَنَّهَا عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَلَا ‏(‏طس‏)‏ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ أَخَوَيْهَا بِحَذْفِ الْمِيمِ، وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُفْرَدَ كَقَابِيلَ، وَ‏(‏يس‏)‏ وَإِنْ كَانَتْ بِهَذَا الْوَزْنِ، لَكِنَّ أَوَّلَهَا يَاءٌ فَأَشْبَهَتِ الْجَمْعَ، إِذْ لَيْسَ لَنَا مُفْرَدٌ أَوَّلُهُ يَاءٌ‏.‏

وَلَمْ يَعُدُّوا ‏(‏الر‏)‏ بِخِلَافِ ‏(‏الم‏)‏ لِأَنَّهَا أَشْبَهُ بِالْفَوَاصِلِ مِنْ ‏(‏الر‏)‏، وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى عَدِّ ‏{‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ‏}‏ آيَةً لِمُشَاكَلَتِهِ الْفَوَاصِلَ بَعْدَهُ‏، وَاخْتَلَفُوا فِي ‏{‏يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ‏}‏‏‏.‏

قَالَ الْمَوْصِلِيُّ‏‏:‏ وَعَدُّوا قَوْلَهُ‏:‏ ثُمَّ نَظَرَ ‏[‏21‏]‏ آيَةً، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ أَقْصَرَ مِنْهَا أَمَّا مِثْلُهَا فَـ عَمَّ وَوَالْفَجْرُ، وَالضُّحَى‏.‏

تَذْنِيبٌ‏:‏

نَظَمَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْغَالِي أُرْجُوزَةً فِي الْقَرَائِنِ وَالْأَخَوَاتِ، ضَمَّنَهَا السُّوَرَ الَّتِي اتَّفَقَتْ فِي عِدَّةِ الْآيِ كَالْفَاتِحَةِ وَالْمَاعُونِ، وَكَالرَّحْمَنِ وَالْأَنْفَالِ، وَكَيُوسُفَ وَالْكَهْفِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مِمَّا تَقَدَّمَ‏‏.‏

فَائِدَةٌ ‏[‏فِي بَيَانِ مَعْرِفَةِ الْآيِ وَعَدِّهَا‏]‏

يَتَرَتَّبُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْآيَةِ وَعَدِّهَا وَفَوَاصِلِهَا أَحْكَامٌ فِقْهِيَّةٌ‏:‏

مِنْهَا‏‏:‏ اعْتِبَارُهَا فِيمَنْ جَهِلَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلَهَا سَبْعُ آيَاتٍ‏‏.‏

وَمِنْهَا‏‏:‏ اعْتِبَارُهَا فِي الْخُطْبَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهَا قِرَاءَةُ آيَةٍ كَامِلَةٍ، وَلَا يَكْفِي شَطْرَهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً، وَكَذَا الطَّوِيلَةُ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ، وَهَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ‏:‏ أَنَّ مَا اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ آخِرَ آيَةٍ، هَلْ تَكْفِي الْقِرَاءَةُ بِهِ فِي الْخُطْبَةِ‏؟‏ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ‏‏.‏

وَمِنْهَا‏‏:‏ اعْتِبَارُهَا فِي السُّورَةِ الَّتِي تُقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ‏»‏.‏

وَمِنْهَا‏‏:‏ اعْتِبَارُهَا فِي قِرَاءَةِ قِيَامِ اللَّيْلِ‏;‏ فَفِي أَحَادِيثَ‏:‏ «مَنْ قَرَأَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ»، وَ«مَنْ قَرَأَ بِخَمْسِينَ آيَةً فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ مِنَ الْحَافِظِينَ»، وَ«مَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ»، وَ«مَنْ قَرَأَ بِمِائَتَيْ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْفَائِزِينَ»، وَ«مَنْ قَرَأَ بِثَلَاثِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنَ الْأَجْرِ»، وَمَنْ قَرَأَ بِخَمْسِمِائَةٍ‏.‏‏.‏‏.‏ وَبِسَبْعِمِائَةٍ‏.‏‏.‏ وَأَلْفِ آيَةٍ‏.‏‏.‏ أَخْرَجَهَا الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مُفَرَّقَةً‏‏.‏

وَمِنْهَا‏‏:‏ اعْتِبَارُهَا فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا، كَمَا سَيَأْتِي‏‏.‏

وَقَالَ الْهُذَلِيُّ فِي كَامِلِه‏:‏ اعْلَمْ أَنَّ قَوْمًا جَهِلُوا الْعَدَدَ وَمَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ، حَتَّى قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ‏‏:‏ الْعَدَدُ لَيْسَ بِعِلْمٍ، وَإِنَّمَا اشْتَغَلَ بِهِ بَعْضُهُمْ لِيُرَوِّجَ بِهِ سُوقَهُ‏‏.‏ قَالَ‏‏:‏ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَفِيهِ مِنَ الْفَوَائِد‏:‏ مَعْرِفَةُ الْوَقْفِ، وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِنِصْفِ آيَةٍ‏‏.‏

وَقَالَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاء‏:‏ تُجْزِئُ بِآيَةٍ، وَآخَرُونَ بِثَلَاثِ آيَاتٍ، وَآخَرُونَ لَا بُدَّ مِنْ سَبْعٍ، وَالْإِعْجَازُ لَا يَقَعُ بِدُونِ آيَةٍ، فَلِلْعَدَدِ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ذَلِكَ‏.‏ انْتَهَى‏‏.‏

فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ‏:‏

ذِكْرُ الْآيَاتِ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، كَالْأَحَادِيثِ فِي الْفَاتِحَةِ، وَأَرْبَعِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَالْآيَتَيْنِ خَاتِمَةِ الْبَقَرَةِ، وَكَحَدِيثِ اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْن‏:‏ ‏{‏وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَة‏:‏ 163‏]‏‏.‏ ‏{‏الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 1- 2‏]‏‏.‏

وَفِي الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاس‏ٍ‏:‏ إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَام‏:‏ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ إِلَى قَوْلِه‏:‏ مُهْتَدِينَ ‏[‏140‏]‏‏.‏

وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى، عَنِ الْمُسَوَّرِ بْنِ مَخَرَمَةَ، قَالَ‏‏:‏ قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ‏‏:‏ يَا خَالُ، أَخْبِرْنَا عَنْ قِصَّتِكُمْ يَوْمَ أُحَدٍ‏؟‏‏.‏

قَالَ‏:‏ اقْرَأْ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ تَجِدُ قِصَّتَنَا‏:‏ ‏{‏وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ‏}‏ ‏[‏آلِ عِمْرَانَ‏:‏ 121‏]‏‏.‏

فَصْلٌ ‏[‏في عَدَدِ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ‏]‏

وَعَدَّ قَوْمٌ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ عَدَدُهَا سَبْعَةً وَسَبْعِينَ أَلْفَ كَلِمَةٍ، وَتِسْعَمِائَةٍ وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ كَلِمَةٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَسَبْعًا وَثَلَاثِينَ، وَمِائَتَانِ وَسَبْعٌ وَسَبْعُونَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ غَيْرُ ذَلِكَ‏‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي عَدِّ الْكَلِمَاتِ الْقُرْآن الْكَرِيم‏:‏ أَنَّ الْكَلِمَةَ لَهَا حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ وَلَفْظٌ وَرَسْمٌ، وَاعْتِبَارُ كُلٍّ مِنْهَا جَائِزٌ، وَكُلٌّ مِنَ الْعُلَمَاءِ اعْتَبَرَ أَحَدَ الْجَوَائِزِ‏.‏

فَصْلٌ ‏[‏في عَدَدِ حُرُوفِ الْقُرْآنِ‏]‏

وَتَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَدَدَ حُرُوفِهِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ، وَالِاشْتِغَالُ بِاسْتِيعَابِ ذَلِكَ مِمَّا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَقَدِ اسْتَوْعَبَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي فُنُونِ الْأَفْنَانِ وَعَدَّ الْأَنْصَافَ وَالْأَثْلَاثَ إِلَى الْأَعْشَارِ، وَأَوْسَعَ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ، فَرَاجِعْهُ مِنْهُ، فَإِنَّ كِتَابَنَا مَوْضُوعٌ لِلْمُهِمَّاتِ، لَا لِمِثْلِ هَذِهِ الْبَطَالَاتِ‏.‏

وَقَالَ السَّخَاوِيُّ‏:‏ لَا أَعْلَمُ لِعَدَدِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ مِنْ فَائِدَةٍ‏:‏ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ أَفَادَ فَإِنَّمَا يُفِيدُ فِي كِتَابٍ يُمْكِنُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، وَالْقُرْآنُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ‏.‏

وَمِنَ الْأَحَادِيثِ فِي اعْتِبَارِ الْحُرُوف‏:‏ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا‏:‏ «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ‏:‏ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ»‏.‏

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ‏:‏ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَرْفُوعًا «الْقُرْآنُ أَلْفُ أَلِفِ حَرْفٍ، فَمَنْ قَرَأَهُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ»‏.‏ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا شَيْخَ الطَّبَرَانِيّ‏:‏ مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ آدَمَ بْنِ أَبَى إِيَاسٍ تَكَلَّمَ فِيهِ الذَّهَبِيُّ‏.‏ وَقَدْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى مَا نُسِخَ رَسْمُهُ مِنَ الْقُرْآنِ- أَيْضًا- إِذِ الْمَوْجُودُ الْآنَ لَا يَبْلُغُ هَذَا الْعَدَدَ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَالَ بَعْضُ الْقُرَّاء‏:‏ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ لَهُ أَنْصَافٌ بِاعْتِبَارَاتٍ، فَنَصِفُهُ بِالْحُرُوفِ ‏(‏النُّونُ‏)‏ مِنْ ‏{‏نُكْرًا‏}‏ فِي الْكَهْفِ، وَ‏(‏الْكَافُ‏)‏ مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي‏.‏

وَنِصْفُهُ بِالْكَلِمَاتِ ‏(‏الدَّالُ‏)‏ مِنْ قَوْلِه‏:‏ ‏{‏وَالْجُلُودُ‏}‏ ‏[‏الْحَجّ‏:‏ 20‏]‏ فِي الْحَجِّ، وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَهُمْ مَقَامِعُ‏}‏ ‏[‏الْحَجّ‏:‏ 21‏]‏ مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي‏.‏

وَنِصْفُهُ بِالْآيَاتِ ‏{‏يَأْفِكُونَ‏}‏ مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ‏}‏ ‏[‏الشُّعَرَاء‏:‏ 45- 46‏]‏مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي‏.‏

وَنِصْفُهُ عَلَى عِدَادِ السُّورِ آخِرُ الْحَدِيدِ، وَالْمُجَادَلَةُ مِنَ النِّصْفِ الثَّانِي‏.‏ وَهُوَ عَشْرَةٌ بِالْأَحْزَابِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ النِّصْفَ بِالْحُرُوفِ ‏(‏الْكَافُ‏)‏ مِنْ ‏{‏نُكْرًا‏}‏ وَقِيلَ‏:‏ ‏(‏الْفَاءُ‏)‏ مِنْ قوله‏:‏ ‏{‏وَلْيَتَلَطَّفْ‏}‏ ‏[‏الْكَهْف‏:‏ 19‏]‏‏.‏

النَّوْعُ الْعِشْرُونَ‏:‏ فِي مَعْرِفَةِ حُفَّاظِهِ وَرُوَاتِهِ

رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ «خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ‏:‏ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ وَمُعَاذٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ» أَيْ‏:‏ تَعَلَّمُوا مِنْهُمْ‏.‏

وَالْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورُونَ‏:‏ اثْنَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَهُمَا الْمُبْتَدَأُ بِهِمَا، وَاثْنَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ‏.‏

وَسَالِمٌ‏:‏ هُوَ ابْنُ مَعْقِلٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذٌ‏:‏ هُوَ ابْنُ جَبَلٍ‏‏.‏

قَالَ الْكَرْمَانِيُّ‏:‏ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْإِعْلَامَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ‏، أَيْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ يَبْقَوْنَ حَتَّى يَنْفَرِدُوا بِذَلِكَ‏.‏

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْفَرِدُوا، بَلِ الَّذِينَ مَهَرُوا فِي تَجْوِيدِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْعَصْرِ النَّبَوِيِّ أَضْعَافُ الْمَذْكُورِينَ، وَقَدْ قُتِلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ، وَمَاتَ مُعَاذٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَمَاتَ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَقَدْ تَأَخَّرَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ الرِّيَاسَةُ فِي الْقِرَاءَةِ، وَعَاشَ بَعْدَهُمْ زَمَنًا طَوِيلًا‏.‏

فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَخْذِ عَنْهُمْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَدَرَ فِيهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شَارَكَهُمْ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ، بَلْ كَانَ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ مِثْلَ الَّذِي حَفِظُوهُ وَأَزْيَدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ‏.‏

وَفِي الصَّحِيحِ فِي غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ‏:‏ أَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ، وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا‏.‏

رَوَى الْبُخَارِيُّ- أَيْضًا- عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ سَأَلُتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ‏‏:‏ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏

فَقَالَ‏:‏ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَار‏:‏ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ مَنْ أَبُو زَيْدٍ‏؟‏‏.‏

قَالَ‏:‏ أَحَدُ عُمُومَتِي‏.‏

وَرَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ‏:‏ أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ‏‏.‏

وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ مِنْ وَجْهَيْن‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ التَّصْرِيحُ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ فِي الْأَرْبَعَةِ‏.‏

وَالْآخَرُ‏:‏ ذِكْرُ أَبِي الدَّرْدَاءِ بَدَلَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَقَدِ اسْتَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْحَصْرَ فِي الْأَرْبَعَةِ‏.‏

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ‏‏:‏ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ‏:‏ ‏(‏لَمْ يَجْمَعُهُ غَيْرُهُمْ‏)‏ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ‏;‏ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ سِوَاهُمْ جَمَعَهُ، وَإِلَّا فَكَيْفَ الْإِحَاطَةُ بِذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الصَّحَابَةِ، وَتَفَرُّقِهِمْ فِي الْبِلَادِ‏؟‏ وَهَذَا لَا يَتِمُّ إِلَّا إِنْ كَانَ لَقِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ، وَأَخْبَرَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ لَهُ جَمْعٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فِي الْعَادَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَرْجِعُ إِلَى مَا فِي عِلْمِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ كَذَلِكَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِقَوْلِ أَنَسٍ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ، وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ فِيهِ، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، سَلَّمْنَاهُ، وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ‏!‏ سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنَ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَمْ يُحَفِّظْهُ كُلَّهُ أَلَّا يَكُونَ حَفِظَ مَجْمُوعَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَحْفَظَ كُلُّ فَرْدٍ جَمِيعَهُ، بَلْ إِذَا حُفِظَ الْكُلُّ وَلَوْ عَلَى التَّوْزِيعِ كَفَى‏‏.‏

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ‏‏:‏ قَدْ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَقُتِلَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ مِثْلُ هَذَا الْعَدَدِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنَّمَا خَصَّ أَنَسٌ الْأَرْبَعَةَ بِالذِّكْرِ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، أَوْ لِكَوْنِهِمْ كَانُوا فِي ذِهْنِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ‏.‏

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَانِيُّ‏:‏ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ أَوْجِهٍ‏:‏

أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُهُمْ جَمَعَهُ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ الْمُرَادُ لَمْ يَجْمَعْهُ عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَالْقِرَاءَاتِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا إِلَّا أُولَئِكَ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ لَمْ يَجْمَعْ مَا نُسِخَ مِنْهُ بَعْدَ تِلَاوَتِهِ وَمَا لَمْ يُنْسَخْ إِلَّا أُولَئِكَ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ أَنَّ الْمُرَادَ بِجَمْعِهِ تَلَقِّيهِ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بِوَاسِطَةٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَلَقَّى بَعْضَهُ بِالْوَاسِطَةِ‏.‏

الْخَامِسُ‏:‏ أَنَّهُمْ تَصَدَّوْا لِإِلْقَائِهِ وَتَعْلِيمِهِ، فَاشْتُهِرُوا بِهِ، وَخَفِيَ حَالُ غَيْرِهِمْ عَمَّنْ عَرَفَ حَالَهُمْ، فَحَصَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ بِحَسْبِ عِلْمِهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ‏.‏

السَّادِسُ‏:‏ الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ الْكِتَابَةُ فَلَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ جَمَعَهُ حِفْظًا، عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ‏.‏ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَجَمَعُوهُ كِتَابَةً، وَحَفِظُوهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ‏.‏

السَّابِعُ‏:‏ الْمُرَادُ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفْصِحْ بِأَنَّهُ جَمَعَهُ، بِمَعْنَى أَكْمَلَ حِفْظَهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أُولَئِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ، فَلَمْ يُفْصِحْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يُكْمِلْهُ إِلَّا عِنْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ آخَرُ آيَةٍ، فَلَعَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْأَخِيرَةَ وَمَا أَشْبَهَهَا مَا حَضَرَهَا إِلَّا أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةُ مِمَّنْ جَمَعَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ قَبْلَهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَضَرَهَا مَنْ لَمْ يَجْمَعْ غَيْرَهَا الْجَمْعُ الْكَثِيرُ‏.‏

الثَّامِنُ‏:‏ أَنَّ الْمُرَادَ بِجَمْعِهِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لَهُ وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهِ‏.‏

وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ ابْنِي جَمَعَ الْقُرْآنَ، فَقَالَ‏:‏ اللَّهُمُّ غُفْرًا إِنَّمَا جَمَعَ الْقُرْآنَ مَنْ سَمِعَ لَهُ وَأَطَاعَ‏.‏

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ‏:‏ وَفِي غَالِبِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ تَكَلُّفٌ، وَلَا سِيَّمَا الْأَخِيرُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ ظَهَرَ لِيَ احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ إِثْبَاتُ ذَلِكَ لِلْخَزْرَجِ دُونَ الْأَوْسِ فَقَطْ، فَلَا يَنْفِي ذَلِكَ، عَنْ غَيْرِ الْقَبِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الْمُفَاخَرَةِ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ افْتَخَرَ الْحَيَّان‏:‏ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، فَقَالَ الْأَوْسُ‏:‏ مِنَّا أَرْبَعَةٌ‏:‏ مَنِ اهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَمَنْ عَدَلَتْ شَهَادَتُهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمَنْ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ، وَمِنْ حَمَتْهُ الدُّبُرُ عَاصِمُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ‏.‏

فَقَالَ الْخَزْرَجُ‏:‏ مِنَّا أَرْبَعَةٌ جَمَعُوا الْقُرْآنَ لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُمْ‏.‏‏.‏‏.‏، فَذَكَرَهُمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي الصَّحِيح‏:‏ أَنَّهُ بَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يَقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنَ‏.‏

وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ نَزَلَ مِنْهُ إِذْ ذَاكَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهَذَا مِمَّا لَا يُرْتَابُ فِيهِ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى تَلَقِّي الْقُرْآنِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَاغِ بَالِهِ لَهُ وَهُمَا بِمَكَّةَ، وَكَثْرَةِ مُلَازَمَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ، حَتَّى قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِيهِمْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا‏.‏ وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ» وَقَدْ قَدَّمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ إِمَامًا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَقْرَأَهُمُ‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَسَبَقَهَ إِلَى نَحْو‏:‏ ذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ لَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ أَشْتَةَ فِي الْمَصَاحِفِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ‏:‏ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ‏:‏ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يُجْمَعِ الْقُرْآنُ، وَقُتِلَ عُمَرُ وَلَمْ يُجْمَعِ الْقُرْآنُ‏.‏

قَالَ ابْنُ أَشْتَةَ‏:‏ قَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يَعْنِي لَمْ يَقْرَأْ جَمِيعَ الْقُرْآنِ حِفْظًا‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ جَمْعُ الْمَصَاحِفِ‏.‏

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ‏:‏ وَقَدْ وَرَدَ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى تَرْتِيبِ النُّزُولِ عَقِبَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ‏.‏

وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ فَقَرَأْتُ بِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ «اقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ»‏.‏ الْحَدِيثَ‏.‏

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ‏:‏ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ‏:‏ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْصَار‏:‏ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ‏.‏

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ‏:‏ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ، لَا يُخْتَلَفُ فِيهِمْ‏:‏ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدٌ، وَأَبُو زَيْدٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي رَجُلَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ‏:‏ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُثْمَانَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عُثْمَانُ وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ‏.‏

وَأَخْرَجَ هُوَ وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ جَمَعَ الْقُرْآنَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةٌ‏:‏ أُبَيٌّ وَزَيْدٌ وَمُعَاذٌ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَسَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَأَبُو زَيْدٍ، وَمُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ، وَقَدْ أَخَذَهُ إِلَّا سُورَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً‏.‏

وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَات‏:‏ الْقُرَّاءَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَدَّ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ‏:‏ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ، وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ وَسَالِمًا وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّائِبِ، وَالْعَبَادِلَةَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ‏.‏

وَمِنَ الْأَنْصَار‏:‏ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَمُعَاذًا

الَّذِي يُكَنَّى أَبَا حَلِيمَةَ، وَمُجَمِّعَ بْنَ جَارِيَةَ وَفُضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ، وَمَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ‏.‏

وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ إِنَّمَا أَكْمَلَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَرِدُ عَلَى الْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَعَدَّ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ مِنْهُمْ تَمِيمًا الدَّارِيَّ وَعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ‏.‏

وَمِمَّنْ جَمَعَهُ- أَيْضًا- أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، ذَكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَبُو زَيْدٍ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ، فَقِيلَ‏:‏ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ أَوْسِيٌّ وَأَنَسٌ خَزْرَجِيٌّ‏.‏ وَقَدْ قَالَ‏:‏ إِنَّهُ أَحَدُ عُمُومَتِهِ وَبِأَنَّ الشَّعْبِيَّ عَدَّهُ هُوَ وَأَبُو زَيْدٍ جَمِيعًا فِيمَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ‏:‏ لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ مِنَ الْأَوْسِ غَيْرُ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْمُحَبَّر‏:‏ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ أَحَدُ مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ‏:‏ قَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِيمَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ، وَهُوَ خَزْرَجِيٌّ يُكَنَّى أَبَا زَيْدٍ فَلَعَلَّهُ هُوَ‏.‏ وَذَكَرَ أَيْضًا سَعِيدَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ أَوْسِ بْنِ زُهَيْرٍ، وَهُوَ خَزْرَجِيٌّ، لَكِنْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ يُكَنَّى أَبَا زَيْدٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثُمَّ وَجَدْتُ عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ مَا رَفَعَ الْإِشْكَالَ، فَإِنَّهُ رَوَى بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ إِلَى ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ‏:‏ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ الَّذِي جَمَعَ الْقُرْآنَ اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكَانَ رَجُلًا مِنَّا مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ أَحَدَ عُمُومَتِي، وَمَاتَ وَلَمْ يَدَعْ عَقِبًا، وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ‏.‏

قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ‏:‏ هُوَ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ بْنِ زَعْوَرَاءَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ‏.‏ قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ‏:‏ مَاتَ قَرِيبًا مِنْ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ عِلْمُهُ، وَلَمْ يُؤْخَذْ عَنْهُ وَكَانَ عَقَبِيًّا بَدْرِيًّا‏.‏ وَمِنَ الْأَقْوَالِ فِي اسْمِه‏:‏ ثَابِتٌ وَأَوْسٌ وَمُعَاذٌ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

ظَفِرْتُ بِامْرَأَةٍ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ جَمَعَتِ الْقُرْآنَ، لَمْ يَعُدَّهَا أَحَدٌ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَات‏:‏ أَنْبَأَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي، عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ- وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا وَيُسَمِّيهَا الشَّهِيدَةَ، وَكَانَتْ قَدْ جَمَعَتِ الْقُرْآنَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غَزَا بَدْرًا قَالَتْ لَهُ‏:‏ أَتَأْذَنُ لِي فَأَخْرُجَ مَعَكَ وَأُدَاوِيَ جَرْحَاكُمْ وَأُمَرِّضَ مَرْضَاكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ يُهْدِي لِي شَهَادَةً‏؟‏

قَالَ‏:‏ «إِنَّ اللَّهَ مُهْدٍ لَكِ شَهَادَةً» وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَدْ أَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا»، وَكَانَ لَهَا مُؤَذِّنٌ، فَغَمَّهَا غُلَامٌ لَهَا وَجَارِيَةٌ كَانَتْ دَبَّرَتْهُمَا فَقَتَلَاهَا فِي إِمَارَةِ عُمَرَ، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ «انْطَلِقُوا بِنَا نَزُورُ الشَّهِيدَةَ»‏.‏

فَصْلٌ ‏[‏في الْمُشْتَهِرِينَ بِإِقْرَاءِ الْقُرْآنِ مِنَ الصَّحَابَةِ‏]‏

الْمُشْتَهِرُونَ بِإِقْرَاءِ الْقُرْآنِ مِنَ الصَّحَابَةِ سَبْعَةٌ‏:‏ عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَأُبَيٌّ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ‏.‏ كَذَا ذَكَرَهُمُ الذَّهَبِيُّ فِي طَبَقَاتِ الْقُرَّاءِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ قَرَأَ عَلَى أُبَيٍّ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ وَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ زَيْدٍ أَيْضًا وَأَخَذَ عَنْهُمْ خَلْقٌ مِنَ التَّابِعَيْنَ‏.‏

فَمِمَّنْ كَانَ بِالْمَدِينَة‏:‏ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ وَسَالِمٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانُ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، وَمُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ الْمَعْرُوفُ بِمُعَاذٍ الْقَارِئِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزٍ الْأَعْرَجُ، وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ‏.‏

وَبِمَكَّةَ‏:‏ عَبِيدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ‏.‏

وَبِالْكُوفَة‏:‏ عَلْقَمَةُ وَالْأُسْوَدُ وَمَسْرُوقٌ وَعُبَيْدَةُ وَعَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ، وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، وَعَبِيدُ بْنُ نُضَيْلَةَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيُّ وِالشَّعْبِيُّ‏.‏

وَبِالْبَصْرَة‏:‏ أَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو رَجَاءٍ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ، وَقَتَادَةُ‏.‏

وَبِالشَّام‏:‏ الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي شِهَابٍ الْمَخْزُومِيُّ صَاحِبُ عُثْمَانَ، وَخَلِيفَةُ بْنُ سَعْدٍ صَاحِبُ أَبِي الدَّرْدَاءِ‏.‏

ثُمَّ تَجَرَّدَ قَوْمٌ، وَاعْتَنَوْا بِضَبْطِ الْقِرَاءَةِ أَتَمَّ عِنَايَةٍ، حَتَّى صَارُوا أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ وَيُرْحَلُ إِلَيْهِمْ‏.‏

فَكَانَ بِالْمَدِينَة‏:‏ أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، ثُمَّ شَيْبَةُ بْنُ نِصَاحٍ، ثُمَّ نَافِعُ بْنُ أَبِي نُعَيْمٍ‏.‏

وَبِمَكَّةَ‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ وَحُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَعْرَجُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَيْصِنٍ‏.‏

وَبِالْكُوفَة‏:‏ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَعَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، وَسُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ، ثُمَّ حَمْزَةُ، ثُمَّ الْكِسَائِيُّ‏.‏

وَبِالْبَصْرَة‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ وَأَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَعَاصِمُ الْجَحْدَرَيُّ، ثُمَّ يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ‏.‏

وَبِالشَّام‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وَعَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلَابِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، ثُمَّ يَحْيَى بْنُ الْحَارِثِ الذِّمَارِيُّ، ثُمَّ شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ‏.‏

وَاشْتُهِرَ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الْآفَاقِ الْأَئِمَّةُ السَبْعَةُ‏:‏

نَافِعٌ‏:‏ وَقَدْ أَخَذَ عَنْ سَبْعِينَ مِنَ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ‏.‏

وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَخَذَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ الصَّحَابِيِّ‏.‏

وَأَبُو عَمْرٍو‏:‏ وَأَخَذَ عَنِ التَّابِعِينَ‏.‏

وَابْنُ عَامِرٍ‏:‏ وَأَخَذَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَصْحَابِ عُثْمَانَ‏.‏

وَعَاصِمٌ‏:‏ وَأَخَذَ عَنِ التَّابِعِينَ‏.‏

وَحَمْزَةُ‏:‏ وَأَخَذَ عَنْ عَاصِمٍ وَالْأَعْمَشِ وَالسَّبِيعِيِّ وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَالْكِسَائِيُّ‏:‏ وَأَخَذَ عَنْ حَمْزَةَ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ‏.‏

ثُمَّ انْتَشَرَتِ الْقِرَاءَاتُ فِي الْأَقْطَارِ، وَتَفَرَّقُوا أُمَمًا بَعْدَ أُمَمٍ، وَاشْتُهِرَ مِنْ رُوَاةِ كُلِّ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ السَّبْعَةِ رَاوِيَان‏:‏

فَعَنْ نَافِعٍ‏:‏ قَالُونُ وَوَرْشٌ، عَنْهُ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ‏:‏ قُنْبُلٌ وَالْبَزِّيُّ، عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ‏.‏

وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو‏:‏ الدُّورِيُّ وَالسُّوسِيُّ، عَنِ الْيَزِيدِيِّ، عَنْهُ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ عَامِرٍ‏:‏ هِشَامٌ وَابْنُ ذَكْوَانَ، عَنْ أَصْحَابِهِ، عَنْهُ‏.‏

وَعَنْ عَاصِمٍ‏:‏ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَحَفْصٌ، عَنْهُ‏.‏

وَعَنْ حَمْزَةَ‏:‏ خَلَفٌ وَخَلَّادٌ، عَنْ سُلَيْمٍ، عَنْهُ‏.‏

وَعَنِ الْكِسَائِيّ‏:‏ الدُّورِيُّ، وَابْنُ الْحَارِثِ‏.‏

ثُمَّ لَمَّا اتَّسَعَ الْخَرْقُ وَكَادَ الْبَاطِلُ يَلْتَبِسُ بِالْحَقِّ، قَامَ جَهَابِذَةُ الْأُمَّةِ، وَبَالَغُوا فِي الِاجْتِهَادِ، وَجَمَعُوا الْحُرُوفَ وَالْقِرَاءَاتِ، وَعَزَوُا الْوُجُوهَ وَالرِّوَايَاتِ، وَمَيَّزُوا الصَّحِيحَ وَالْمَشْهُورَ وَالشَّاذَّ بِأُصُولٍ أَصَّلُوهَا، وَأَرْكَانٍ فَصَّلُوهَا‏.‏

فَأَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي الْقِرَاءَاتِ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، ثُمَّ أَحْمَدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْكُوفِيُّ، ثُمَّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيُّ صَاحِبُ قَالُونَ، ثُمَّ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الدَّاجُونِيُّ، ثُمَّ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ، ثُمَّ قَامَ النَّاسُ فِي عَصْرِهِ وَبَعْدَهِ بِالتَّأْلِيفِ فِي أَنْوَاعِهَا جَامِعًا وَمُفْرَدًا، وَمُوجَزًا وَمُسْهَبًا، وَأَئِمَّةُ الْقِرَاءَاتِ لَا تُحْصَى‏.‏‏.‏

وَقَدْ صَنَّفَ طَبَقَاتِهِمْ حَافِظُ الْإِسْلَامِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ، ثُمَّ حَافِظُ الْقُرَّاءِ أَبُو الْخَيْرِ بْنُ الْجَزَرِيِّ‏.‏

النَّوْعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ‏:‏ فِي مَعْرِفَةِ الْعَالِي وَالنَّازِلِ مِنْ أَسَانِيدِهِ

اعْلَمْ أَنَّ طَلَبَ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ خَمْسَة أقسام‏.‏‏.‏‏.‏ الْقُرْآن الْكَرِيم سُنَّةٌ، فَإِنَّهُ قُرْبٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَسَّمَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ إِلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ وَرَأَيْتُهَا تَأْتِي هُنَا‏.‏

الْأَوَّلُ‏:‏ الْقُرْبُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ بِإِسْنَادٍ نَظِيفٍ غَيْرِ ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ الْعُلُوِّ وَأَجَلُّهَا‏.‏

وَأَعْلَى مَا يَقَعُ لِلشُّيُوخِ فِي هَذَا الزَّمَانِ إِسْنَادٌ رِجَالُهُ أَرْبَعَةَ عَشْرَ رَجُلًا، وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ‏:‏ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ ذَكْوَانَ‏.‏

ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ وَإِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةِ عَاصِمٍ‏:‏ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصٍ وَقِرَاءَةِ يَعْقُوبَ‏:‏ مِنْ رِوَايَةِ رُوَيْسٍ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ مِنْ أَقْسَامِ الْعُلُوِّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ‏:‏ الْقُرْبُ إِلَى إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيث‏:‏ كَالْأَعْمَشِ وَهُشَيْمٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ‏.‏ وَنَظِيرُهُ هُنَا الْقُرْبُ إِلَى إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ السَّبْعَةِ‏.‏ فَأَعْلَى مَا يَقَعُ الْيَوْمَ لِلشُّيُوخِ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ بِالتِّلَاوَةِ إِلَى نَافِعٍ‏:‏ اثْنَا عَشَرَ، وَإِلَى عَامِرٍ‏:‏ اثْنَا عَشَرَ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ‏:‏ الْعُلُوُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِوَايَةِ أَحَدِ الْكُتُبِ السِّتَّة‏:‏ بِأَنْ يَرْوِي حَدِيثًا لَوْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ كِتَابٍ مِنَ السِّتَّةِ وَقَعَ أَنْزَلَ مِمَّا لَوْ رَوَاهُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهَا، وَنَظِيرُهُ هُنَا الْعُلُوُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْقِرَاءَاتِ، كَالتَّيْسِيرِ وَالشَّاطِبِيَّةِ‏.‏ وَيَقَعُ فِي هَذَا النَّوْعِ الْمُوَافَقَاتُ، وَالْإِبْدَالُ، وَالْمُسَاوَاةُ، وَالْمُصَافَحَاتُ‏.‏

فَالْمُوَافَقَةُ‏:‏ أَنْ تَجْتَمِعَ طَرِيقُهُ مَعَ أَحَدِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ فِي شَيْخِهِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ مَعَ عُلُوٍّ عَلَى مَا لَوْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَدْ لَا يَكُونُ‏.‏

مِثَالُهُ فِي هَذَا الْفَنّ‏:‏ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ رِوَايَةَ الْبَزِّيِّ، طَرِيقِ ابْنِ بَنَّانٍ، عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْهُ، يَرْوِيهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ مِنْ كِتَابِ الْمِفْتَاحِ لِأَبِي مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ خَيْرُونَ، وَمِنْ كِتَابِ الْمِصْبَاحِ لِأَبِي الْكَرَمِ الشَّهْرَزُورِيِّ، وَقَرَأَ بِهَا كُلٌّ مِنَ الْمَذْكُورِينَ عَلَى عَبْدِ السَّيِّدِ بْنِ عَتَّابٍ‏.‏ فَرِوَايَتُهُ لَهَا مِنْ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ، تُسَمَّى مُوَافَقَةٌ لِلْآخَرِ، بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ‏.‏

وَالْبَدَلُ‏:‏ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهُ شَيْخُ شَيْخِهِ فَصَاعِدًا، وَقَدْ يَكُونُ- أَيْضًا- بِعُلُوٍّ، وَقَدْ لَا يَكُونُ‏.‏

مِثَالُهُ‏:‏ هُنَا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو، رِوَايَةَ الدُّورِيِّ، طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ عَنْهُ‏.‏ رَوَاهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ مِنْ كِتَابِ التَّيْسِيرِ قَرَأَ بِهَا الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، وَقَرَأَ بِهَا عَلَى أَبِي طَاهِرٍ، عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ‏.‏ وَمِنْ الْمِصْبَاحِ قَرَأَ بِهَا أَبُو الْكَرَمِ، عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنِ أَحْمَدَ السَّبْتِيِّ، وَقَرَأَ بِهَا عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْحَمَّامِيِّ، وَقَرَأَ عَلَى أَبِي طَاهِرٍ، فَرِوَايَتُهُ لَهَا مِنْ طَرِيقِ الْمِصْبَاحِ تُسَمَّى بَدَلًا لِلدَّانِي فِي شَيْخِ شَيْخِهِ‏.‏

وَالْمُسَاوَاةُ‏:‏ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّاوِي وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ، إِلَى شَيْخِ أَحَدِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ، كَمَا بَيْنَ أَحَدِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ، عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْعَدَدِ‏.‏

وَالْمُصَافَحَةُ‏:‏ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ عَدَدًا مِنْهُ بِوَاحِدٍ، فَكَأَنَّهُ لَقِيَ صَاحِبَ ذَلِكَ الْكِتَابِ، وَصَافَحَهُ وَأَخَذَ عَنْهُ‏.‏

مِثَالُهُ قِرَاءَةُ نَافِعٍ، رَوَاهَا الشَّاطِبِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ النِّفَّرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غُلَامِ الْفُرْسِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ نَجَاحٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ، عَنْ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُمَرَ الْمُقْرِئِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنَ بْنِ بُويَانَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّبَعِيِّ الْمَعْرُوفِ بِأَبِي نَشِيطٍ، عَنْ قَالُونَ، عَنْ نَافِعٍ‏.‏

وَرَوَاهَا ابْنُ الْجَزَرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْخَيَّاطِ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنِ الصَّائِغِ، عَنِ الْكَمَالِ بْنِ فَارِسٍ، عَنْ أَبِي الْيُمْنِ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْخَيَّاطِ، عَنِ الْفَرَضِيِّ، عَنِ ابْنِ بُويَانَ‏.‏

فَهَذِهِ مُسَاوَاةٌ لِابْنِ الْجَزَرِيِّ‏;‏ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ بُويَانَ سَبْعَةٌ، وَهُوَ الْعَدَدُ الَّذِي بَيْنَ الشَّاطِبِيِّ وَبَيْنَهُ، وَهِيَ لِمَنْ أَخَذَ عَنِ ابْنِ الْجَزَرِيِّ مُصَافَحَةً لِلشَّاطِبِيِّ‏.‏

وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا التَّقْسِيمَ الَّذِي لِأَهْلِ الْحَدِيثِ؛ تَقْسِيمُ الْقُرَّاءِ أَحْوَالَ الْإِسْنَادِ إِلَى قِرَاءَةٍ وَرِوَايَةٍ وَطَرِيقٍ وَوَجْهٍ‏.‏

فَالْخِلَافُ‏:‏ إِنْ كَانَ لِأَحَدِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ أَوَالْعَشَرَةِ أَوْ نَحْوِهِمْ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ وَالطُّرُقُ عَنْهُ، فَهُوَ قِرَاءَةٌ‏.‏

وَإِنْ كَانَ لِلرَّاوِي عَنْهُ فَرِوَايَةٌ‏.‏

أَوْ لِمَنْ بَعْدَهُ فَنَازِلًا فَطَرِيقٌ‏.‏ أَوْ لَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِمَّا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى تَخْيِيرِ الْقَارِئِ فِيهِ، فَوَجْهٌ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ مِنْ أَقْسَامِ الْعُلُوّ‏:‏ تَقَدُّمُ وَفَاةِ الشَّيْخِ عَنْ قَرِينِهِ الَّذِي أَخَذَ عَنْ شَيْخِه‏:‏ فَالْأَخْذُ مَثَلًا، عَنِ التَّاجِ بْنِ مَكْتُومٍ أَعْلَى مِنَ الْأَخْذِ عَنْ أَبِي الْمَعَالِي بْنِ اللَّبَّانِ، وَعَنِ ابْنِ اللَّبَّانِ أَعْلَى مِنَ الْبُرْهَانِ الشَّامِيِّ، وَإِنِ اشْتَرَكُوا فِي الْأَخْذِ عَنْ أَبِي حَيَّانَ لِتَقَدُّمِ وَفَاةِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي، وَالثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ‏.‏

وَالْخَامِسُ‏:‏ الْعُلُوُّ بِمَوْتِ الشَّيْخِ لَا مَعَ الْتِفَاتٍ لِأَمْرٍ آخَرَ، أَوْ شَيْخٍ آخَرَ مَتَى يَكُونُ‏:‏ قَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ‏:‏ يُوصَفُ الْإِسْنَادُ بِالْعُلُوِّ إِذَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ مَوْتِ الشَّيْخِ خَمْسُونَ سَنَةً‏.‏ وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ‏:‏ ثَلَاثُونَ‏.‏

فَعَلَى هَذَا، الْأَخْذُ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْجَزَرِيِّ عَالٍ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَثَمَانِمِائَةٍ‏;‏ لِأَنَّ ابْنَ الْجَزَرِيِّ آخِرُ مَنْ كَانَ سَنَدُهُ عَالِيًا وَمَضَى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مِنْ مَوْتِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً‏.‏

فَهَذَا مَا حَرَّرْتُهُ مِنْ قَوَاعِدِ الْحَدِيثِ، وَخَرَّجْتُ عَلَيْهِ قَوَاعِدُ الْقِرَاءَاتِ، وَلَمْ أُسْبَقْ إِلَيْهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ‏.‏

وَإِذَا عَرَفْتَ الْعُلُوَّ بِأَقْسَامِهِ، عَرَفْتَ النُّزُولَ، فَإِنَّهُ ضِدُّهُ، وَحَيْثُ ذُمَّ النُّزُولُ فَهُوَ مَا لَمْ يَنْجَبِرْ بِكَوْنِ رِجَالِهِ أَعْلَمُ وَأَحْفَظُ وَأَتْقَنُ أَوْ أَجَلُّ أَوْ أَشْهَرُ أَوْ أَوْرَعُ، أَمَّا إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ وَلَا مَفْضُولٍ‏.‏